مثيرة نوعاً من “الإحساس بالانبهار” لدى البعض و”الهواجس المقلقة” لدى آخرين، تُظهر مقاطع فيديو متداولة على الشبكات الاجتماعية، في الآونة الأخيرة، حيتان الأوركا تتحرك في المياه المغربية، سواء فرادى أو جماعات، صاعدةً بين الفينة والأخرى إلى السطح، في ظاهرة سبق للبحّارة المغاربة أن اشتكوا منها غير ما مرّة، خاصة بعدما أضرّت بأربعة قوارب للصيد التقليدي على الأقل وهددت حياة صيادين.
تداوُل هذه الصور، وفق ما طالعته هسبريس، أثار بين مرتادي الشواطئ المغربية العديد من الأسئلة حول وجود هذه الثدييات البحرية الضخمة في المنطقة، وخطر اقترابها من السواحل أو إضرارها بقوارب الصيد، خصوصا من الصنف التقليدي.
وفي وقت سابق من العام الجاري، أواخر شهر ماي، رفعت فعاليات مهنية من قطاع الصيد البحري (خصوصًا بسواحل جهة طنجة) مطالب “إقرار تعويضات مالية في حالة التعرض لحالات اعتداء من حوت الأوركا”، الذي كان سببا في حالتي غرق للقوارب المخصصة للصيد، العام المنصرم، في سواحل عاصمة الشمال المغربية.
“الحوت القاتل”، الذي ينتشر في جميع بحار العالم، ويمتاز بذكاء عال، في السنوات الأخيرة تم رصد سلوك عنيف من قبله تجاه قوارب الصيد والمراكب الشراعية، فضلا عن تهديداته المحدِقة بممارسي رياضة “الجيت سكي”.
وتنتشر “Orcinus orca” على طول السواحل المغربية الممتدة بسبب وجود مجموعة سكانية فرعية منها في شمال المحيط الأطلسي قريبة من السواحل المغربية، مازالت تتردد بعض منها تنتمي إلى هذه المجموعة الفرعية على منطقة مضيق جبل طارق خلال فصليْ الربيع والصيف، لتتغذى على ‘تونة الزعانف الزرقاء (ثونوس ثينوس)’؛ كما يمكن ملاحظتها بين جزر الكناري وبحر الشمال، وفق ما يسجله باحثون.
“خسائر تخفض المداخيل”
عبد القادر التويربي، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لبحارة وربابنة الصيد البحري بالمغرب، أكد أن الدلافين البحرية والأوركا مازالت لم تُفارق بعض سواحل المغرب المطلة على البحر الأبيض المتوسط خصوصاً، فيما يقل حضورها في مياه الأطلسي القريبة من المغرب، مؤكدا أنها “تنتشر بكل من سواحل الناظور والحسيمة، وصولا إلى المضيق، أساساً خلال الفترة من مارس وأبريل إلى حدود أشهر الصيف”.
ولفت التويربي، متحدثا إلى هسبريس، إلى “تضرر قوارب صيد السردين خصوصا، ما دفع عددا من الصيادين إلى أن يهاجروا إلى سواحل وموانئ صيد أطلسية، خصوصا من ممارسي الصيد التقليدي”، مشيرا إلى أن “هجمات الأوركا حينما تتم فإنها تتسبّب في خسائر مادية وتَخفض المداخيل”.
ولفت المهني ذاته إلى أن “الأوركا” هو “في أصله وبطبعه حوت مهاجر، لذلك من الطبيعي أن يصل إلى السواحل المغربية، خاصة أنه يفترس أنواعا من الأسماك يتركز عليها نشاط صيّادي الصنف التقليدي، وتشكل عصَبَ أنشطتهم”، كما نبّه إلى أن ظهوره “ليس إلا ظاهرة طبيعية، لكن التيارات البحرية القوية قد تجذبه إلى مدى 300 و500 متر في أعماق البحار”.
“مطلب التعويضات يتجدّد”
تجدّدت مطالب مهنية رفعها، خلال الأشهر الأخيرة، فاعلو الصيد الساحلي التقليدي، خصوصا بسواحل جهة طنجة، تهم “إقرار السلطات المعنية بقطاع الصيد البحري وتنظيمه تعويضا عن الأضرار والخسائر التي تلحق الصيادين نتيجة هجمات الأوركا”؛ وهو ما أكده عبد العزيز العشيري، رئيس الكونفدرالية المغربية للصيد البحري التقليدي.
ومتحدثا عن الموضوع، في تصريح لجريدة هسبريس، لم يفت العشيري أن يؤكد “مخاطر متنامية يخلّفها المرور الموسمي لحيتان الأوركا الضخمة من أمام صيادين يمتهنون أنشطة الصيد التقليدي”، لافتا إلى أن “الموضوع لم يحظَ بأي أهمية أو أدنى تفاعل رغم مراسلات متكررة إلى الجهات الوصية في مندوبيات الصيد البحري التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري؛ وهذا ما يخالف ما تنص عليه التوجيهات الملكية في هذا الصدد، من التفاعل مع المهنيين والإنصات لنبضهم”، وفق تعبيره.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن الموضوع يستدعي حضور صوت الخبراء والبحث العلمي لإيجاد حلول، “خاصة أن الأوركا القاتل يكثُر وقت اصطياد حيتان التونة”، وزاد: “كما تبرز الحاجة إلى خبرات وتدخل المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري لوضع الظاهرة تحت مجهر التحليل”.
واستحضر المهني ذاته في الصيد الساحلي بشمال المملكة “إضرار الأوركا العام الماضي بـ 4 قوارب للصيد كان مصيرها الغرق بتجهيزاتها ومعداتها، فيما نجا البحارة بمساعدة بعضهم البعض”، مشددا في حديثه للجريدة على أن “مطلب تدخل السلطات يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وبالاعتبار اللازم للمهنيين بعد مراسلات متعددة”.
توضيحات علمية
سعياً إلى إضاءة الموضوع من وجهة نظر علمية أفاد الدكتور هشام مسكي، خبير مختص في الإيكولوجيا البحرية، بأن “الأوركا (المعروفة علميا بـ Orcinus orca) هي حيوانات بحرية مفترسة تعيش في المياه المغربية، ولا تأتي من مكان آخر، فهي إذن في بيئتها الطبيعية”، مبرزا أن “مجموعة حيتان الأوركا التي تمت مواجهتها في المياه المغربية تُعرف باسم ‘Orcas Ibéricas’ لأنها غالبًا ما تُلاحظ بين مضيق جبل طارق وجنوب البرتغال، لكن مَوطنها يمتد على الأقل من جزر الكناري إلى شمال اسكتلندا”.
وأكد الباحث في المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، في معطيات طلبتها هسبريس، أن “حركات هذه الحيتان ترتبط أساساً بنظامها الغذائي، الذي يتكون أساسًا من التونة ذات الزعانف الزرقاء (Thunnus thynnus)”، وزاد: “خلال فصل الصيف تتجمّع هذه ‘الأوركا’ على مستوى مضيق جبل طارق لاصطياد التونة التي تهاجر نحو البحر الأبيض المتوسط مع نهاية الربيع؛ أما في بقية العام فهي متفرقة باتباع فرائسها”.
“إن عدد الأوركا الإيبيرية مسألة تقنية”، يؤكد الخبير البحري لهسبريس، مردفاً: “لكن سيكون هناك ما يزيد قليلا عن 70 حوتاً من الأوركا الإيبيرية في المجموع، لكن ليس جميعها تعود خلال الصيف في منطقة مضيق جبل طارق… عام 2023 كانت قريبة من 46 حوتا، أما في 2024 فعرفت حضور المزيد”.
وبالنسبة لتأثير هذه الحيتان يرى مسكي مُصرّحاً للجريدة أن الصيادين المغاربة في مضيق جبل طارق الذين يصطادون التونة اعتادوا التفاعل معها، “خاصة أن حوت الأوركا يمكنه الاستيلاء على الأسماك التي يتم صيدها قبل نقلها على متن القوارب”.
“هذا السلوك العدواني لحيتان الأوركا لوحظ حول العالم، لكن الأوركا الإيبيرية طوّرت سلوكا لمدة أربع سنوات يؤثر بشكل أساسي على المراكب الشراعية ويتمكن من كسرها، ليتأثر أكثر من 700 قارب شراعي، مع غرق العشرات”، يتابع المتحدث ذاته، مؤكدا “تفاعل الأوركا بدرجة أقل مع قوارب الصيد المغربية”.
ورغم أن الأوركا “يصل طولها إلى نحو 10 أمتار، وتزن أكثر من 11 طناً، فهي من أسرع الحيوانات البحرية من خلال الوصول إلى سرعة تزيد عن 50 كلم/ساعة”، بحسب مسكي، الذي قال: “نادرًا ما تقترب من الساحل، وهناك فرصة ضئيلة لاقترابها من الشواطئ؛ لذلك لا يوجد خطر تقريبا على السبّاحين”، مطمئناً بأنه “لم يَسبق لأي أوركا أن اعتدى على إنسان، حتى في المناطق التي تكثر فيها الحيتان القاتلة على الشواطئ”.
أما بالنسبة للصيادين، سواء عبر مراكب شراعية أو قوارب، فأوصى الخبير ذاته في حالة مواجهة حيتان الأوركا بـ”التوجه بأسرع ما يمكن نحو الساحل، إذ إنه بعد 2 كلم كحد أقصى تغادر حيتان الأوركا للانضمام إلى مجموعتها”.
The post هذه تفسيرات علمية بشأن تجدُّد ظهور “الحوت القاتل” في سواحل مغربية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.