صورة من صورِ أثرِ رحيلِ كثير من يهود المغرب على سير الحياة بالمملكة كما عُرِفت قبل العقدين الأخيرين من القرن العشرين سبق أن شهد بها الراحل ميشيل مارسيانو، المغنّي والطباخ، الذي كان مطعمه “زردة .. في ضيافة ميشيل” بالعاصمة الرباط أحد شواهد أثر رحيل شبه جماعي.
ميشيل، الذي رحل عن دنيا الناس الأسبوع الجاري، بعد حياة رأى فيها النور بوجدة واستقرّ بالرباط، اضطر قبل ما يقرب الثلاثين سنة إلى تحويل مطعمه إلى مطعم غير يهودي، وفق شهادة سبق أن استقتها هسبريس منه.
“زردة”، الذي كان متخصّصا في الأكل اليهودي، وكان من الأماكن المعدودة التي يرتادها بالعاصمة مغاربةً وُلدوا لأسر يهودية الديانة، اضطر مالكه إلى وقف تقديم الأكلات “الكوشر” أو “الحلال اليهودي” نظرا لعدد الزبائن المهتمين بهذا الأكل الذي قلّ سنة بعد سنة.
هذا المطعم الذي يبعد خطوات عن مسرح محمد الخامس بالرباط كان لعقود من محطات عشاء وسهر فنانين وموسيقيين ومسرحيين عالَميين ومغاربة بعد إتمام العروض، وهو ما تشهد عليه صور جدرانه التي توثّق ابتسامات رواده، وشيئا من المسار الموسيقي لصاحبه، الذي كان من بين ما يغنّيه في جولات الغناء الشعبي الدّارج لفنانين مغاربة يهود.
ومن بين ما عبر به الراحل ميشيل، في تصريح لهسبريس، سنة 2015، حسرته لكون “معظم المغاربة اليهود اليوم شيوخ”، نظرا للرحيل المستمر للشباب المغاربة اليهود للدراسة أو العمل بالخارج، بعد استكمال تعليمهم الثانوي.
وحكى الراحل حكاية عاشها صديق مغربي له، غادر ابنان له المغربَ إلى فرنسا، وبعد طول مقام طلب منهما العودة، فكان الجواب: “بِع ما هناك واقدُم، أو احرق ما هناك واقدُم إلى هنا، أما نحن فلن نرجع”.
وفي سنوات عيشه الأخيرة، قبل جائحة “كورونا”، استمرّ ميشيل في الإشراف على مطعمه “زَرْدَة”، وهي كلمة دارجة تعني باللغة العربية “الوليمة”؛ مع إعداد وجبات خاصة بيديه، قاطنا شقة في حي أكدال الرباطيّ، مع جيران من بينهم عائلتان يهوديّتا الديانة، وثلاث عائلات أوروبية، فيما قطن الشقق السبع والأربعين الأخرى سكان مسلمون.
وعندما سُئل عن ظروف عيشه، بوصفه مواطنا من أقلية دينية ببلد أغلبية مواطنيهِ على غيرِ دينها، تذكّر الراحل السلطان محمَّدا الخامس، وموقفه المعارض للمسّ بالمغاربة اليهود من طرف نظام فيشي الفرنسي الموالي للنازيين الألمان إبّان الاحتلال الأجنبي، واستشهد بقول الملك إن اليهود رعايا مغاربة مثل الرعايا المسلمين. ثم بعد استحضار المحاوِر شهادة من الشهادات قال المحاوَر: “ربما لا دخان من دون نار”، لكنه قدم شهادته أيضا، قائلا: “منذ 24 سنة انتقلت إلى شقتي بأكدال (…) ولدي علاقات طيبة بجيراني المسلمين، ونُحيّي بعضنا البعض كل صباح”.
The post مارسيانو صاحب “زردة” يغادر الدنيا appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.