نقاش كبير وساخن في بعض الأحيان شهدته ورشات المناظرة الوطنية الثانية حول الجهوية المتقدمة، كشف الأعطاب والعراقيل التي تواجه تنزيل المشروع المتعثر بعد ولايتين من تنزيله، وهو ما يجعل السؤال: ماذا بعد المناظرة الوطنية حول الجهوية المتقدمة؟ يطرح نفسه بقوة على مختلف المتدخلين والجهات بخصوص المرور إلى السرعة القصوى وتدارك الخصاص والضعف الذي أدى في كثير من الأحيان إلى تعميق الفوارق المجالية والاجتماعية بين أقاليم الجهة والمجال الترابي الواحد.
وتقفز إلى الواجهة عند الخوض في هذا الموضوع أسئلة متعددة، عبر منتخبون ورؤساء جهات في المناظرة عن جزء منها، مثل اللاتمركز، وذلك من خلال نقدهم لاستماتة الوزراء والقطاعات الحكومية في الاحتفاظ بالصلاحيات الواسعة التي يمنحها الدستور للجهات وحرمان المجالس الجهوية من التحويلات المالية الضرورية لتنفيذ البرامج والمشاريع القادرة على تقليص الفجوات التنموية بين مختلف أقاليم الجهات وتحسين ظروف عيش الساكنة.
اللاتمركز في الواجهة
عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ جامعي محلل سياسي، اعتبر أن مخرجات المناظرة الوطنية الثانية حول الجهوية والتوصيات العامة والخاصة الصادرة عنها، تجعل فكرة العودة لعقد مناظرات تهم اللامركزية بالمغرب “فكرة مقدرة؛ لأنها فرصة للنقاش وتبادل وجهات النظر بخصوص ورش يهم تطوير بنية الدولة ووظائفها”.
وأفاد اليونسي، ضمن حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن إشارة الملك محمد السادس، في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في المناظرة، إلى “تعثر تنزيل ورش اللاتمركز الذي حدد مرسوم دجنبر 2018 أفق ثلاث سنوات لتنزيله، هي عقدة المنشار”، مؤكدا أن “اللاتركيز” قائم على “تفويض اختصاص الإدارة المركزية لتمثيلياتها الترابية”.
وشدد المحلل السياسي ذاته على أن الحاصل على مستوى تنفيذ اللامركزية، هو أن هذا المركز “حريص على اختصاصه”، لافتا إلى أن التفويض وإن حصل “لا يوازيه نقل الاعتمادات المالية، وبالتالي هامش المبادرة في العلاقة مع الفعل العمومي الترابي يبقى ضعيفاً وينتظر تأشير الإدارة المركزية، مما يؤدي إلى هدر الزمن التنموي وتعقيد المساطر”.
وأوضح الأستاذ بجامعة الحسن الأول بسطات أن إشكالية التمويل بالنسبة للجهات “فيها نظر؛ لأن الواقع بناءً على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أن نسبة إنجاز المشاريع من قبل الجهات لا تتجاوز 57 في المائة، وبالتالي هناك مشكل في النجاعة والفعالية على مستوى اتخاذ القرار المالي خصوصاً”.
الإرادة والشجاعة
ذهب اليونسي إلى أن واقع الممارسة الذي “يتهامس به المنتخبون ولا يصرحون به، هو ثقل المراقبة الإدارية وحضورها القبلي والمواكب والبعدي، مما حول هذه المراقبة إلى وصاية بعيدة كل البعد عن منطق الجهوية المتقدمة”، معتبرا أن هذا الموضوع يحتاج إلى “شجاعة وإرادة سياسيتين من أجل إعطاء مبدأ التدبير الحر معناه الحقيقي وترسيخ القضاء كسلطة مستقلة تحدث الفصل والتوازن بين السلطات”.
ومضى اليونسي مسجلا أن هناك “ترددا في إقرار مبدأ التفريع الذي هو ببساطة قيام المستوى الترابي الأجدر بالاختصاص، لكن الملاحظ في الاتفاقيات المبرمة أنه كان هناك تهريب للقرار من الجهات كهيآت منتخبة لصالح شركات التنمية أو وزارة الداخلية عبر ممثليها الترابيين”، وفسر: “لأن الملاحظ أن هناك تضخما في المؤسسات التي تُقاسم أو تسطو على اختصاص الجهات والجماعات الترابية الأخرى”، مستدركا بأن الدولة ربما لها “إكراهاتها لخلق التقائية في السياسات العمومية وضمان فعالية التدخل من خلال مؤسسة العامل أو الوالي، لكن الواقع أثبت أننا نكرر أخطاء الماضي ونفرغ الديمقراطية المحلية من محتواها”، وفق تعبيره.
أهلية المنتخبين
أرجع عبد الله أبو عوض، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، تردد الدولة في موضوع الجهوية المتقدمة إلى “أهلية المنتخبين الذين يمكن أن يفعلوا المسار؛ لأن العمل كما تراه مؤسسات الدولة في ما هو مرتبط بتفعيل الجهوية المتقدمة سيخلق تحدي من سيكون في المستقبل هو المعني برئاسة الجهة”.
وأضاف أبو عوض ضمن تصريح لهسبريس: “ليس الحزب الذي ينبغي أن يحدد العمل المؤسساتي للجهة، ولكن ينبغي أن تتدخل الدولة بإرادة إدارية بالدرجة الأولى لتفعيل آليات العمل الجهوي والمؤسساتي، الذي يخدم الشأن العام”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن بعض الجهات لها قيادات على مستوى التكوين والممارسة السياسية والإدارية من حيث طبيعة الخبرة، ولها آليات ذاتية يمكن أن تكون في قيادة الجهة كما تراه الدولة، ولكن ينبغي أن نستحضر أن بعض الجهات تعرف قصورا فيما هو مرتبط بجانب أهلية رئيس الجهة من الناحية الإدارية أو السياسية”.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية أن التخبط الحاصل في الموضوع يدفع إلى طرح السؤال حول إلزامية توافر مجموعة من الشروط في رئيس الجهة تتوافق مع الرؤية المؤسساتية التي تطمح الدولة إلى تحقيقها، وذلك بهدف تجاوز الوضع الحالي.
كما سجل أبو عوض أن الجهوية الموسعة جهوية سياسية، والجهوية المتقدمة جهوية إدارية، والربط بينهما يمكن استيعابه من خلال تأهيلها وتقديمها، باعتبار أن آليات العمل الجهوي هي آليات سياسية، عن طريق صناديق الاقتراع والمنتخبين، ومن سيسير الجهة ينبغي أن يكون مستوعبا لمواردها وهياكلها وثرواتها وبنياتها وكل التفاصيل التي يمكن أن تساهم في إعادة ترتيب مقوماتتها.
The post ماذا بعد اختتام المناظرة الوطنية الثانية حول الجهوية المتقدمة في المغرب؟ appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.