يرتبط مجال سوس وفقهاؤه في المخيال الشعبي للمغاربة والأجانب على حد سواء بالسحر والشعوذة، وهو ما تعكسه بعض المقولات المتداولة التي تزكي هذا الطرح، من قبيل “الفقيه السوسي فقيه صحيح”، أو “سواسة ضربتهوم صحيحة”. وتعود هذه الصورة النمطية حسب مهتمين إلى مجموعة من المنطلقات والمحددات التي جعلت بعض الأوصاف تبدو لصيقة في الذهنية العامة بـ”سوس العالمة”.
من أبرز هذه المنطلقات الحركة العلمية والفكرية التي شهدها مجال سوس والمدارس العتيقة المنتشرة به، التي يتم استغلالها من طرف بعض السحرة والمشعوذين الذين يسيئون إلى صورة هذه المدارس التي خجرت العديد من العلماء؛ إضافة إلى براعة السوسيين في الطب التقليدي واحتكاكهم باليهود الذين يُعتقد أنهم كانوا بارعين في هذه الأعمال.
ضعف معرفي وفشل علمي
في هذا الإطار قال جامع بنيدير، باحث في التاريخ، مؤلف كتاب “السحر والشعوذة بسوس”، إن “ارتباط مجال سوس بطقوس السحر والشعوذة في المخيال الشعبي للكثير من المغاربة مرتبط بمجموعة من العوامل، أبرزها براعة من يسمون ‘الفقهاء’ في استغلال بعض المعارف التي تلقوها من أجل إيهام الناس وإقناعهم بقدراتهم الخارقة”.
وأضاف بنيدير أن “الأمر قد يكون أيضا مرتبطا بانتشار المدارس العتيقة، وهذا لا يعني أبدا أن هذه المدارس تنتج السحرة والمشعوذين، إذ إن خريجيها نوعان، فهناك العالم الذي ذهب بعيدا في العلوم الشرعية، وأمثاله قلة، ثم الفقيه الذي يكون حاملا لكتاب الله وتكون معارفه محدودة جدا، وهو ما يدفعه إلى الأعمال السحرية”، مشددا على أن “من يتعاطون السحر والشعوذة هم من أضعف الفقهاء في سوس معرفة وأفشلهم علما”.
وبين المتحدث لـ هسبريس أن “هؤلاء السحرة يستغلون وضعهم المعنوي من أجل خداع الناس وإيهامهم بقدرتهم على تجميد الماء، وهناك من يصدقهم ويؤمن بقدراتهم في كشف وعلاج المشاكل النفسية والأسرية، في حين أنهم يلعبون فقط على عموميات هذه المشاكل التي يمكن أن تعيشها أي أسرة مستقرة، كما أنهم أبناء بيئتهم ولهم دراية بطبيعة الخلافات والمشاكل في مجتمعهم”.
حركة علمية وسحر اليهود
من جانبه أوضح إيراهيم الطاهيري، باحث في التاريخ الديني والاجتماعي، أن “سوس شهدت حركة فكرية علمية قديمة منذ نهاية القرن الخامس الهجري، وهذا ما يفسر تواجد الكثير من المدارس العتيقة التي تخرج نخبة من العلماء المتفقهين في الدين، وهو ما ساهم في تكريس هذه الصورة النمطية عن المنطقة وعن الفقيه السوسي”.
وسجل الطاهيري أن “الفقهاء السوسيين كانوا بارعين في الطب البديل، وألفوا في هذا المجال، ونذكر مؤلفات الأزاريفي في طب العيون، وكتابات محمد بن العربي الأدوزي وغيره، إذ كان الفقهاء هم من يشرفون على التداوي، ما فتح الباب على مصراعيه أمام المسائل التي لا يعترف بها الطب الحديث، وتدخل في باب الرقية الشرعية والتداوي بالطلاسم”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “الذين يمارسون السحر والشعوذة بعيدون عن الفقه وعن المدارس العلمية العتيقة ككل، رغم أن الذهنية الشعبية ربطتهم بهذه المدارس”.
ومن العوامل المفسرة لارتباط “سواسة” بالسحر أشار المتحدث ذاته إلى أن “هناك فرضية أخرى، وهي تواجد الكثير من اليهود بمجال سوس، فيما هناك من يعتبر أنهم مارسوا السحر ولقنوه لبعض المسلمين”، موردا أن “السحر والشعوذة والطب البديل خطان متوازيان، ثم إن السحر معروف في جميع المجتمعات وليس فقط في المجتمع السوسي أو المغربي؛ غير أن هناك بعض الصور النمطية والادعاءات التي لا دليل عليها، كاعتبار المغرب مهد الجن ومقر ملوكه”.
رفض قاطع وتشويه صورة
قال الحسين العمري، أستاذ باحث في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، إن “أهل سوس تعاطوا للعلوم، وخاصة العلوم القرآنية، وبجانبها علوم أخرى، خاصة علم المنافع الذي يشمل السحر وتسخير الجن وما إلى ذلك، نظرا لكثرة المدارس العلمية التي انتشرت فيها هذه العلوم؛ غير أننا لا نعرف من أين تم استيقاء هذا العلم، فيما هناك من يقول بوجود كتب تعلمه، مع روايات أخرى في هذا الصدد”.
وسجل العمري، متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المخيال المغربي وكذا المشرقي يربط سوس بالسحر والشعوذة، غير أن الكثير من الفقهاء يتبرؤون من هذه الممارسات ويرفضونها رفضا قاطعا، رغم إيمانهم بأن السحر موجود وفق منطوق النص القرآني والحديث النبوي”.
وبين المتحدث أن “البعض ممن يأتون هذه الأعمال الشيطانية يشوهون صورة الفقيه السوسي المطلع على أمور الدين، الذي يساهم في نشر تعاليم الدين الإسلامي وشرحها للناس، إذ كان لفقهاء سوس فضل كبير في نشر الإسلام ومحاربة البدع والممارسات المشينة”، موضحا أن “قابلية الناس للإيمان بقدرات هذا الساحر أو ذاك هي التي تعزز مثل هذه الصور والأحكام الجاهزة”.
The post لماذا يربط المخيال الشعبي “سوس العالمة” بطقوس السحر والشعوذة؟ appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.