قال الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، إن الملك محمدا السادس أطلق “المشروع الأطلسي الإفريقي”، الذي يقوم على مرتكزات اقتصادية وأخرى أمنية تعكس الرغبة في إرساء توجهات استراتيجية تعزز الحضور الأطلسي للقارة، وسيسهم في إرساء جوار بناء يدعم التعاون والسلم، من خلال الرغبة في دعم ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وتكريس نمط بنّاء ومتوازن من التعاون جنوب-جنوب الذي يتأسس على الربح المتبادل.
وذكر لكريني في مقال توصلت به هسبريس بعنوان “الأبعاد الاستراتيجية للمشروع الأطلسي الإفريقي”، أن المشروع الملكي يندرج ضمن المشاريع الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس خلال السنوات الأخيرة، كما هو الشأن بالنسبة لميناء طنجة المتوسطي، ومشروع ميناء الأطلسي، ومشروع تحلية ماء البحر بالداخلة، بالإضافة إلى مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، وكذا المبادرة التي قادها بمعية عدد من الدول في سياق تأسيس “الحلف الأطلسي الإفريقي” بمشاركة 21 دولة أفريقية لها واجهة بحرية على المحيط الأطلسي كسبيل لمواجهة مختلف التهديدات التي يمكن أن تطال القارة كالإرهاب ومختلف التهديدات العابرة للحدود والقرصنة البحرية، وتعزيز التعاون حول قضايا البيئة والطاقة والاقتصاد الأزرق.
نص المقال:
إن المواقف والسلوكات التي تطلقها الدول تظل مجرّد شعارات لا قيمة لها من المنظور الاستراتيجي في غياب إمكانيات ومقومات للقوة تعززها وتدعمها ميدانيا، ومن هذا المنطلق فالقوة في العلاقات الدولية لا تقاس بامتلاك عناصرها، ولكن بالوعي بها وبأهميتها، وبحسن استثمار الإمكانيات المتاحة في هذا الصدد على طريق تحقيق الأهداف والدفاع عن المصالح المختلفة.
يعد المجال البحري من ضمن العناصر التي تدعم قوة الدولة وكذا حضورها دوليا. وتبرز الأحداث والوقائع التاريخية أن استثمار الإمبراطوريات والدول لمجالها البحري وتطوير أساطيلها على هذا النحو، ساهم في تعزيز موقعها على المستويين الإقليمي والدولي.
يملك المغرب واجهتين بحريتين في موقع استراتيجي هام، وسعيا إلى إرساء جوار بناء يدعم التعاون والسلم، ووعيا بالإمكانات التي تزخر بها القارة الإفريقية، ورغبة في دعم ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وإرساء نمط بنّاء ومتوازن من التعاون جنوب-جنوب الذي يتأسس على الربح المتبادل، أطلق الملك محمد السادس، قبل عدة أشهر، “المشروع الأطلسي الإفريقي”، الذي يقوم على مرتكزات اقتصادية وأخرى أمنية تعكس الرغبة في إرساء توجهات استراتيجية تعزز الحضور الأطلسي للقارة، وهي تندرج ضمن المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب خلال السنوات الأخيرة، كما هو الشأن بالنسبة لميناء طنجة المتوسطي، ومشروع ميناء الأطلسي، ومشروع تحلية ماء البحر بالداخلة، بالإضافة إلى مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، وكذا المبادرة التي قادها بمعية عدد من الدول في سياق تأسيس “الحلف الأطلسي الإفريقي” بمشاركة 21 دولة أفريقية لها واجهة بحرية على المحيط الأطلسي كسبيل لمواجهة مختلف التهديدات التي يمكن أن تطال القارة كالإرهاب، ومختلف التهديدات العابرة للحدود والقرصنة البحرية، وتعزيز التعاون حول قضايا البيئة والطاقة والاقتصاد الأزرق.
لا تمثل المبادرة ردّ فعل مرحليا، وإنما هي خيار استراتيجي، يتزامن مع التبدلات والتحالفات التي يشهدها النظام الدولي الراهن، ومع تزايد التهافت على القارة الإفريقية التي تزخر بعدد من الخيرات الطبيعية والإمكانيات البشرية والاقتصادية، كما أنها تتصادف مع الجمود الذي يطبع “اتحاد المغرب العربي” واستمرار القطيعة مع الجزائر، ومع فشل المقاربة الأمنية في منطقة الساحل والصحراء التي قادتها فرنسا وعدد من الدول الغربية ولم تفض لا إلى تحقيق التنمية، ولا إلى إرساء السلام والاستقرار في هذه المنطقة التي ما زالت تعيش على إيقاع الهشاشة والمعضلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وحتى الأمنية التي استغلتها كثير من الجماعات المسلحة وشبكات التهريب لبسط انتشارها في هذه المناطق.
وتنطوي المبادرة، التي تعكس الوعي بأهمية التعاون والتنسيق في إطار جنوب-جنوب لكسب رهانات مشتركة، على أبعاد استراتيجية متعددة، نجملها في: تعزيز الأمن البحري، ومواجهة مختلف المخاطر العابرة للحدود، كما أنها تعبر عن رؤية استشرافية تتيح استيعاب التحديات والفرص المستقبلية، فهي تجمع بين تعزيز العمق الإفريقي للمغرب وانفتاحه أكثر على الأمريكتين، كما تسمح لدول المنطقة (الساحل الإفريقي) بتعزيز موقعها وحضورها على المستويين الإقليمي والدولي، أخذا بعين الاعتبار أهمية الموقع الجغرافي لهذه البلدان كحلقة وصل بين شمال وجنوب قارة إفريقيا، حيث تنحو المبادرة إلى جعل الواجهة الأطلسية منطلقا للتواصل الإنساني وللتعاون الاقتصادي والإشعاع الحضاري.
وعلى المستوى السياسي، يمكن للمبادرة أن تساهم في تقوية دور الدولة في منطقة الساحل، وتعزّز الاستقرار السياسي فيها. وعلى المستوى الأمني، سيوفر تفعيل المشروع إرساء شروط الأمن في المنطقة، وتضييق الخناق على الجماعات الإرهابية وشبكات التهريب والهجرة غير الشرعية.
على المستوى الاقتصادي، لا تخفى أهمية الاقتصاد الأزرق الذي يوفر عددا من الفرص، حيث يفتح المشروع آفاقا واعدة للشراكة والتعاون في هذا المجال. كما سيسمح باستكشاف واستثمار الثروات البحرية، وبتعزيز الاستثمارات في السواحل الأطلسية، وبإطلاق عدد من المشاريع التنموية الكبيرة في هذه المناطق، ويتيح تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية الإفريقية مع الفضاء الأمريكي بشقيه، ما سينعش اقتصاد دول الساحل الإفريقي التي تحتضن حوالي 85 مليون نسمة وإمكانيات طبيعية مختلفة (فلاحة، يورانيوم، غاز، نفط، حديد، نحاس، ذهب) ويتيح لها أيضا الولوج إلى المحيط الأطلسي، بما يدعم استقلاليتها الاقتصادية، ويقوي سبل حماية ثرواتها الطبيعية، والأمر نفسه بالنسبة لباقي الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي الغنية بثرواتها الطبيعية أيضا.
وتحتلّ أقاليم الصحراء المغربية مكانة هامة ضمن المشروع، خاصة وأن هذا الأخير يصب في اتجاه جعل هذه الأقاليم بمثابة بوابة للانفتاح على العمق الإفريقي، ويعزّز من جاذبيتها الاستثمارية، أخذا بعين الاعتبار المشاريع الوازنة التي تم إطلاقها في هذه الأقاليم، والدعم الإفريقي المتزايد لمغربية الصحراء.
لا يخلو تنفيذ هذه المبادرة من صعوبات، يمكن إجمالها في غياب بنى تحتية تسمح لدول الساحل بالولوج إلى المحيط الأطلسي، وكذا الكلفة المالية الضخمة للمشروع التي تتطلب تمويلات وعقد شراكات إقليمية ودولية، بالإضافة إلى الإشكالات التي يطرحها عدم الاستقرار السياسي والأمني في بلدان الساحل والصحراء، والتدخلات التي تباشرها الدول الكبرى في هذه المناطق، بما يكرّس تبعيتها ويحول دون اتخاذ قرارات سيادية تدعم مصالحها (بلدان الساحل والصحراء).
إن بلورة هذا المشروع على أرض الواقع تتطلب اعتماد مجموعة من التدابير والمشاريع، من حيث توفير البنى التحتية، من طرق وموانئ وسكك حديدية وشبكة متطورة للاتصالات، رهن إشارة بلدان الساحل الإفريقي، وتأهيل الواجهة الأطلسية بمشاريع كبرى، وتعزيز جهود التنمية وتطوير البنى التحتية في المناطق المطلة على هذه الواجهة، ثم تعزيز الأسطول البحري لهذه البلدان.
كما يتطلب تطوير الإمكانيات اللوجيستية، وحسن توظيف الفرص التي يزخر بها الاقتصاد البحري (الأزرق)، بما يسمح بتحقيق التنمية، وتشجيع الاستثمار في مجال الصيد البحري، وتعزيز التنقيب عن الموارد الطبيعية في المجال البحري، علاوة على تشجيع السياحة في الواجهة الأطلسية، وفتح آفاق جديدة للتعاون مع البلدان الإفريقية، والمساهمة في تعزيز الاستقرار في دول منطقة الساحل الإفريقي، عبر مساعدتها على تحقيق الأمن والتنمية، علاوة على تحريك الدبلوماسية الموازية بكل روافدها الاقتصادية والحزبية والثقافية والروحية… لكسب هذا الرهان.
كما يتطلب الأمر من البلدان المعنية بالمشروع، تخصيص تمويلات ضخمة لإنشاء شبكة من الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية، والبحث عن شراكات وجذب استثمارات أجنبية كفيلة بإنجاح هذا المشروع.
The post لكريني يعدد الأبعاد الاستراتيجية للمشروع الأطلسي الإفريقي بمدينة الداخلة appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.