في يوم مشمس وحار، سجل محيط المستشفى الجهوي مولاي علي الشريف بمدينة الرشيدية مشهدا مؤلما وصادما، حيث تم العثور على رضيع حديث الولادة ملفوف بقطعة ثوب متسخ، متخلى عنه في ظروف لا إنسانية، ما استنفر عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرشيدية.
وفور إشعارها بالنبأ الصادم، حلت بالمكان مختلف الأجهزة الأمنية والوقاية المدنية وممثل السلطة المحلية، وذلك من أجل نقل الرضيع إلى مصلحة الرضع بالمستشفى الجهوي مولاي علي الشريف، حيث تم إخضاعه للفحوصات الطبية الضرورية وتبين أنه في صحة جيدة.
وبأمر من النيابة العامة المختصة، فتحت مصالح الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرشيدية، بتنسيق مع باقي الأجهزة الأمنية، تحقيقا في الموضوع، واستمعت إلى عدد من المواطنين وراجعت عددا من كاميرات المراقبة الموجود بمحيط مكان العثور على الرضيع، وذلك من أجل تحديد هوية المتهمة برمي فلذة كبدها في ظروف مناخية صعبة.
نعيمة ازغاري، فاعلة حقوقية مهتمة بالدفاع عن النساء بالرشيدية، قالت إن هذا الحادث المأساوي يثير الكثير من الأسئلة حول الأسباب والظروف التي دفعت الأم أو المسؤول عن هذا الفعل إلى التخلي عن الطفل بهذه الطريقة الوحشية، متسائلة: “هل كانت الأم في وضع اجتماعي أو نفسي صعب؟ أو هل تعرضت لضغوط قاهرة أم إن هناك أسبابا أخرى رئيسية دفعتها إلى ذلك؟”.
وأضافت الحقوقية ذاتها، في تصريح لهسبريس، أنه في ظل هذا المشهد المؤلم، فإن الجميع، بمن فيهم المجتمع والسلطات المختصة والأمنية، مدعوون إلى بذل جهود لتوفير الحماية والرعاية الكاملة لمثل هؤلاء الضحايا الأبرياء الذين يعتبرون من “ملائكة الرحمان”، وأن “الجمعيات المختصة والخبراء والحقوقيين يجب عليهم البحث عن حلول إنسانية تضمن مستقبل هؤلاء الضحايا الأبرياء، وبحث سبل منع تكرار مثل هذه الحالات المأساوية واللا إنسانية”.
جلال بنعيسى، فاعل حقوقي بمدينة الريصاني، قال لهسبريس وهو يعلق على هذه القصة المؤلمة: “إنه لأمر مؤسف حقا أن نشهد مثل هذه الحالات المأساوية في المجتمع إلى يومنا هذا”، مضيفا: “ما حدث لهذا الرضيع حديث الولادة يعكس وضعا اجتماعيا وإنسانيا صعبا لفئة كبيرة من المجتمع المغربي، وهو ما يتطلب تضافر جهود الجميع للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة”.
وتابع بنعيسى بأن هذه الحالة ومثيلاتها “تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي للنساء في وضعية صعبة”، مشيرا إلى أن “الأم ربما كانت في أزمة نفسية أو اجتماعية حادة بسبب حملها بهذا الرضيع، سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية، ولم تجد من يساعدها”، مؤكدا: “يجب علينا جميعا التضامن والوقوف إلى جانب مثل هذه الحالات الإنسانية”.
ومن الناحية القانونية، أكد مسؤول قضائي بإحدى محاكم الاستئناف (رفض الكشف عن هويته للعموم) أن “هذا الفعل ينطوي على جرائم عدة، كالتخلي عن طفل والتسبب في إهماله وتعريضه للخطر”، مضيفا أن القوانين المغربية تنص على عقوبات صارمة لمرتكبي مثل هذه الجرائم مهما كانت الظروف والأسباب، تصل إلى السجن، مبرزا أن الضحية عند بلوغه إذا أراد المطالبة بالتعويض عن الأضرار النفسية التي لحقت به، فمن حقه ذلك.
وأجمع عدد من المهتمين بمجال حماية والدفاع عن النساء والأطفال بجهة درعة-تافيلالت أن هذه الحادثة المؤلمة تدعو الجميع إلى التحرك بشكل عاجل لتوفير الحماية والرعاية اللازمة لهؤلاء الضحايا الأبرياء، والبحث عن حلول إنسانية تضمن لهم مستقبلا كريما، كما يجب على السلطات والجهات المختصة تكثيف الجهود لمنع تكرار مثل هذه الحالات اللاإنسانية في المستقبل.
من جهتها، قالت خديجة عليلوش، من الناشطات في مجال حماية النساء والطفولة بدرعة-تافيلالت، إن رمي الأطفال والرضع “جريمة بشعة تنم عن فشل المجتمع في توفير الحماية اللازمة لأكثر الفئات ضعفا”، مضيفة: “لا يمكن السكوت عن هذه الممارسات المدمرة التي تحرم الأطفال من أبسط حقوقهم في الحياة والرعاية”.
وشددت عليلوش، في تصريح لهسبريس، على أن “الأوان آن لاتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة هذه الظاهرة من خلال رفع الوعي المجتمعي، وتعزيز الدعم الاجتماعي والنفسي للأسر المحتاجة، وتطوير التشريعات والقوانين لحماية الأطفال، وتحسين البنية التحتية والخدمات الصحية والاجتماعية”، مؤكدة أن حماية الأطفال والرضع “مسؤولية مشتركة، ولا بد من توحيد الجهود لوضع حد لهذه الظاهرة المؤلمة والعمل على توفير مستقبل أفضل لهذه الفئة”.
The post ظاهرة التخلي عن الرضع .. مأساة إنسانية واجتماعية تنتهك الحق في الحياة appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.