نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية، يوم الرابع من غشت 2024، حوارا أجرته الصحافية ياسمين تيجاني مع گزافييه دريانكور، الدبلوماسي والسفير الفرنسي السابق في الجزائر. قضى ست سنوات في ذلك البلد، وكتب كتابا مهما، بعنوان “اللغز الجزائري”، يُشَرِّحُ فيه وضع النظام العسكري. وقد أغضب محتوى الكتاب حكام البلد الجار. كما قال بأن انهيار الجزائر سيؤدي إلى انهيار الجمهورية الفرنسية الخامسة، إذ سيؤدي عدد المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا إلى إغراقها.
وقد كتب مقالات في الموضوع؛ منها واحد اعتمد فيه على الأرشيف الفرنسي، وأشار فيه إلى ما قاله الراحل الحسن الثاني للجنرال دوگول، وهو يناقش معه وضع الصحراء الشرقية ووجوب إعادتها إلى وطنها الأم، المملكة المغربية، من أن “الجزائر ستكون سرطان إفريقيا”.
ويروج في بعض الأوساط الفرنسية أن الرجل مرشح ليحتل وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، لحنكته وتمرسه وسعة معرفته وقربه من قضايا المغرب العربي الكبير. ويقول الرجل إنه تردد على المغرب مرات عديدة للقيام بمهام بتكليف من حكومة بلده، أو في زيارات خاصة، وهو مفتتن بالمطبخ المغربي.
كيف ينظر السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر إلى تطور الموقف الفرنسي بشأن مسألة الصحراء؟
حدث صاعق وغير منتظر يهز ضفتي البحر الأبيض المتوسط، هو هذا القرار الفرنسي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وهو المنظار الذي تنظر الرباط من خلاله إلى محيطها الدولي. ولا شك في أن هذه الهدية الدبلوماسية الرائعة التي تقدمها باريس إلى الرباط تعزز وحدة وسلامة أراضي المملكة الشريفة. وقد ضاعف رمزية الحدث اختيار “التوقيت” الذي يتزامن مع الاحتفالات بربع قرن من حكم محمد السادس. ومن الواضح أن فرنسا اختارت أن تراهن على هذه القوة الإقليمية الجديدة التي تحولت إليها وأصبحت تعرف بها المملكة الشريفة.
غداة الدعم الذي قدمته باريس لمخطط المغرب للصحراء، التي شكلت تقليديا عصب الخلاف بين الرباط والجزائر، دعا ملك المغرب، عبر رسالة خطية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى زيارة رسمية. وأعرب العاهل المغربي، أيضاً، عن ارتياحه لهذا الموقف الجديد الذي انتظرته الرباط زمنا طويلا.
وبينما رأى بعض المراقبين أن تطور الموقف الفرنسي بشأن الصحراء لم يكن مفاجئًا في الواقع، رأى آخرون أن هذا التحول الفرنسي ليس أمرًا عاديا وغير مؤثر. ولفهم أسباب اختيار الإليزيه وكذا التداعيات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لهذا الموقف، سألت مجلة “لوبوان أفريك” گزافييه دريانكور، الدبلوماسي والسفير الفرنسي السابق في الجزائر، عن رد فعله وأثر ذلك الموقف.
هل فاجأك هذا الإعلان؟ ما هي في اعتقادك أسباب تأييد فرنسا للموقف المغربي في ملف الصحراء؟
إن الإعلان ليس مفاجأة حقا. لقد مضت أشهر عديدة منذ أن بدأ يطرأ على الموقف تطور ملموس ومهم إلى حد ما. ولفترة طويلة، حافظت باريس على التوازن في علاقاتها بين الجزائر والرباط حول هذه المسألة من الصحراء، من خلال التأكيد على تبني موقف الأمم المتحدة؛ ولكننا كنا في علاقة بالغة التعقيد مع المغرب.
ولذلك، أفهم أنه من أجل تحقيق المصالحة مع المغرب، على الأقل هذه هي قراءتي الخاصة للأمور، قرر الرئيس الفرنسي أن يتخذ خطوة بالغة الأهمية إلى الأمام بشأن مسألة مغربية الصحراء.
وقد بدأ كل ذلك الأمر يتبلور منذ شهر فبراير مع الزيارة التي قام بها ستيفان سيجورني، رئيس الدبلوماسية الفرنسية، الذي اعترف بالطابع الوجودي بالنسبة للمغرب فيما يتعلق بملف الصحراء. وقد نتج عن ذلك السماح بتخصيص بعض الاستثمارات الفرنسية لمنطقة الصحراء. وهذا يعني أنه كان ثمة تطور قد حصل بالفعل. ومع ذلك، فإن رسالة الرئيس الفرنسي تتضمن عبارات بالغة الدقة وشديدة القوة، خاصة عندما يقول إن هذا هو “الأساس الوحيد” الممكن لحل ملف الصحراء.
كيف يعيد بيان الرئيس ماكرون تعريف وتحديد الديناميات الدبلوماسية الحالية بين المغرب وفرنسا؟
أعتقد أننا في باريس قمنا بوضع الإيجابيات والسلبيات، ومبررات الإقدام على هذه الخطوة من عدمها في الميزان، ورجح موقف القرار التالي: أن المزايا والإيجابيات المهمة تكمن في العلاقة مع المغرب، وهي أهم من سلبيات خلاف أو نزاع مع الجزائر.
وأذكّر أن الرئيس ماكرون قد قام، في السنوات الأخيرة، منذ عام 2017، بكثير من الإشارات والبادرات نحو الجانب الجزائري. وعلاوة على ذلك، كان المغرب يلوم إلى حد ما رئيس الجمهورية على هذه الإشارات والبادرات. لقد قمنا بالكثير من الإشارات والبادرات من الجانب الفرنسي؛ ولكن الجزائر لم تستجب، ولم ترد عليها بشكل إيجابي أبدا. واعتبر الرئيس، في نهاية المطاف، أنه من الأفضل أن يكشف المستور ويعلن الموقف بدون لف أو دوران، بمعنى من المعاني، وأن يقوم بالبادرة التي تنتظرها الرباط.
وما هي الفوائد الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن يجنيها المغرب من هذا الاعتراف، لا سيما بالنسبة لمنطقة الصحراء؟
أعتقد أن ثمة الكثير من الفرص ستفتح أمام الشركات الفرنسية التي ترغب في المجيء إلى المغرب والاستثمار فيه، لأن كل شيء كان متوقفا ومرتبطا حتى الآن، إلى حد ما، بمسألة الصحراء. وفي سياق التحضير لكأس العالم لعام 2030 على سبيل المثال، سيكون ثمة بلا ريب العديد من الفرص بالنسبة لفرنسا والمغرب معا.
وما هي المزايا الاستراتيجية التي تتوقع باريس الحصول عليها من وراء هذا الدعم الثابت للرباط، ولا سيما من حيث التأثير على القارة الإفريقية؟
من الممكن تحقيق مزايا، حتى ولو كان هناك، على الجانب الجزائري، تأثير أيضا على بلدان معينة في إفريقيا. أعتقد أن تأثير البلدين معا متكافئ أو متساو. وتتنافس الجزائر والمغرب معا في القارة الإفريقية. والآن، أصبحت الأمور على المحك في على مستوى الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة. وسنرى كيف ستنتهي كل هذه الأمور إلى بعض التوازن.
وتجدر الإشارة ها هنا إلى التذكير أن أجندة المغرب الجديدة الخاصة بواجهة الساحل الأطلسي للقارة الإفريقية من المرجح أن تغير ميزان القوى في القارة. ومن الممكن أن تلعب باريس دوراً معينا في هذا الصدد. ولكن ما هو حاسم بالنسبة لي هو أن الرئيس ماكرون يريد أن يتصالح مع الرباط، وأنه لا توجد عشرات السبل للتصالح مع المملكة الشريفة.
وما هو الدور الذي يمكن أن يضطلع به الاتحاد الأوروبي في سياق هذا الدعم المتزايد من فرنسا للمغرب؟
الحقيقة أن قيام فرنسا بتقديم هذا الدعم الدبلوماسي المهم من شأنه أن يخلف تأثيراً مضاعفاً على الدول الأوروبية الأخرى. أعتقد أن ثمة عددا من الدول الأوروبية التي ستقول لنفسها ما دامت باريس -التي هي شريك مهم، والتي تعرف معرفة جيدة البلدين المغاربيين معا، وهي القوة الاستعمارية السابقة في الجزائر -قد خطت هذه الخطوة، هذا أمر مهم، ويمكن لها أن تحذو حذو فرنسا وتقوم بهذه الخطوة أيضا. وهذا بالضبط ما تخشاه الجزائر. تخشى أن دولاً أوروبية أخرى، بعد إسبانيا وفرنسا، والاتحاد الأوروبي بصفته تلك، تدعم الموقف المغربي وتجد الجزائر نفسها معزولة.
هل يمكننا القول إن المغرب يقترب أكثر فأكثر من التوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع على الصحراء؟
نعم، إنها الحقيقة.
The post سفير باريس السابق في الجزائر: هذه أهمية الموقف الفرنسي ورمزية التوقيت appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.