قال أنور زناتي، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة بجامعة عين شمس بالقاهرة، إن “الصهيونية” صناعة استشراقية، وجاء الاستشراق الإسرائيلي في خدمة مبادئ فهمِِ لليهودية التي بها نصوص تأمر بالإبادة الجماعية، مع الاستمرار في فهم المحيط والدفاع عن رؤى من بينها ادعاءات سرقة القرآن من التوراة.
جاء هذا في لقاء مع الإعلامي ياسين عدنان ببرنامج “في الاستشراق” على منصة “مجتمع”، ذكر فيه زناتي أن العمل الاستشراقي، الذي قدّم نماذج منه في فلسطين قبل احتلالها سنة 1948 “كان منظما جدا بمجموعة كبار من الضباط، والمستشرقين، السياسيين المستشرقين، قصد فهم منطقة الشام، برصد وتقارير وأبحاث، في سبيل المؤسسة الصهيونية، لفهم الأكل واللباس وكيفية الحركة والطبوغرافيا والجيولوجيا ومختلف مناحي العيش بالمنطقة”.
وزاد: “الاستشراق نظام يخدم بعضه، في مصلحة الصهيونية، وحدث في الفكر الاستشراقي الأوروبي توافق؛ لأن الاستشراق المستند على اليهودية كان ذكيا، بسياسةِ خطوة خطوة، ففي وقتِ نبْذِ اليهود بأوروبا لم يقُل عن نفسه إنه استشراق يهودي، بل دخل الباحثون المؤمنون باليهودية الاستشراق بصفتهم أوروبيين، وخدموا الصهيونية (…)
ثم بعد قيام الدولة الإسرائيلية صار هذا الاستشراق يعبّر عن يهوديته وأنه إسرائيلي، بينما قبل ذلك (…) التقى ثالوث التبشير، والاستعمار، والصهيونية، لأن اليهودية لا تفكر في نشر دينها، ولا تأسف للتبشير المسيحي”.
وقال المتخصص في التاريخ: “دراستي للتاريخ أظهرت لي أن الاستشراق كل متكامل، بأهداف وآليات وجامعات ومؤتمرات سنوية ومجلات، تخدم نتائجا. وهو عجلة مستمرة، تنتج بوتيرة قد تكون حتى شهرية”، وقدم أمثلة راهنة: “في سنة 2023، بالجامعة العبرية نُشرت ثمان دراسات تخدم الاستشراق، مهتمة بترجمات القرآن الكريم، حول ترجمة خطيرة جدا للقرآن الكريم.”
وبعد تعديد نماذج حملات إعلامية، وترجمات، ودراسات، وضّح المتحدث أن الفرق في تعامل العالم العربي الإسلامي والعالم الأوروبي الأمريكي المساند للصهيونية أنهم “هم منظمون، يترجمون، ويعدون دراسات، بعمل جماعي منظّم ذي خلفيات. ومشكلتنا نحن أننا سذّج، لا نستطيع البلورة، ولا يوجد عمل للمؤسسات لرصد عمل المستشرقين، وترجمته، وتحليله، ودراسته، إلا من جهود فردية.”
وواصل: “الاستشراق الإسرائيلي، جاء بعد تكوين دولة الكيان المحتل الإسرائيلي، وبعد امتلاك الأرض التي اغتصبوها، وأقاموا عليها جامعاتهم، وهيئاتهم البحثية، ونشروا فيها أفكارهم الاستشراقية، لخدمة الفكر اليهودي، وحفر الآثار”، ومن إنتاجاته، التي عدّد أسماءَها والمدافعين عن أفكارها، أن “القرآن مسروق بتأثيرات توراتية وإنجيلية”، في تغاض عن اختلاف بلاغة النص القرآني، وبعده التام عن بورنوغرافيا “نشيد الأنشاد” مثلا وقصص الغدر والخداع وزنى الأنبياء والصراع مع الله الواردة في التوراة، واختلاف كبير في تفاصيل القصص القرآني، وأن المبدأ الذي يقوله القرآن صراحة أن الله أنزله على رسوله مصدقا لما قبله ومهيمنا عليه.
وحول “فكرة الإبادة” ذكر الأكاديمي أنها “متجذّرة” في المصادر الدينية اليهودية، ثم قرأ نصا من النصوص المبرّرة للإبادة في التوراة، حرفُه: “حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك (…) وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منهم نسمة”.
ووضّح زناتي أنه رغم اعتبار التوراةِ فلسطينَ أرض غربة لليهود، وذِكر نصّها أن النبي إبراهيم “تغرَّبَ” في أرض الفلسطينيين، وأن النبي يعقوبا قد سكن “في أرض غربة أبيه بكنعان”؛ إلا أن هناك “عشقا للتدليس”، ثم أردف قائلا: “التوراة تقول إن فلسطين بالنسبة لليهود أرض غربة (…) وعلى مدى التاريخ الفلسطيني الممتد، أقصى درجة عيشِ يهودِِ جماعة في مساحة محدودة بها هي 250 سنة مقارنة بآلاف السنين من عمرها”، لكن ما لديهم ليس قوة الحجة أو التاريخ بل “قوة أمريكا وأوروبا، التي تنفعهم في التزوير، والاتهامات بـ’معاداة السامية’ لمن يرد على التّغليطات (…) وللأسف الاستمرار في التزييف لا يصدّ بالقوة المطلوبة، في حين إن الأبحاث الأثرية الإسرائيلية منذ عقود لا تثبت إلا وجود الكنعانيين”، ثم ختم تدخّله بقول: “بداية أملنا عندما نشتغل كمنظومة”.
The post زناتي: الصهيونية صناعة استشراقية .. والإبادة متجذّرة في العقلية الإسرائيلية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.