يرى باحثون في الشأن الطاقي أن البيانات التي أفرج عنها مكتب الصرف بخصوص انخفاض قيمة استيراد حاجيات المغرب من المنتجات الطاقية بنسبة 20,4 في المائة السنة الماضية، لتستقر عند 122 مليار درهم، تكشف عن “مساهمة مهمة لمشاريع الطاقات المتجددة التي أطلقتها المملكة في تقليص فاتورتها الطاقية”.
وأشارت البيانات التي أوردها المكتب ذاته، ضمن تقريره السنوي حول التجارة الخارجية للمغرب، إلى أن “واردات الغازوال والفيول سجلت أقوى انخفاض، وتفسر لوحدها الانخفاض بأكثر من النصف في التزويد بمنتجات الطاقة”، إلا أن الباحثين الذين تحدثوا لهسبريس اعتبروا أن مسار التخلص من استنزاف هذه الواردات لاحتياطات المغرب من العملة الصعبة مازال طويلا، بالنظر إلى تزايد الحاجيات الطاقية للبلاد، والكلفة المرتفعة للرهان الكامل على الطاقات المتجددة.
“رهان مكلف”
أمين بنونة، الباحث في الشأن الطاقي، اختار التأكيد بداية أن “نسبة الانخفاض التي تتحدث عنها المعطيات الحديثة تهم استيراد المنتجات الطاقية بشكل عام، لكن تراجع تكلفة استيراد المحروقات هو المساهم الأكبر في تحقيقها؛ إذ بلغت هذه التكلفة 113 مليار درهم السنة الماضية، أي بانخفاض يقرب 30 في المائة مقارنة بـ2022، وفقا لإحصائيات سابقة للمجلس”، مرجعا “تلقص الفاتورة الطاقية إلى تراجع أسعار المحروقات على الصعيد العالمي بالدرجة الأولى”.
بنونة لفت في تصريح لهسبريس إلى أن “حصة الطاقات المتجددة في الانخفاض الذي كشف عنه التقرير السنوي حول التجارة الخارجية للمغرب تصل إلى 3 في المائة، وهي نسبة مهمة في تقليص الفاتورة الطاقية”، مستدركا بأن “نجاح الرهان على هذه الطاقات في خفض الاستيراد الطاقي يستلزم عشرات السنوات، فإذا أراد المغرب سدّ حاجياته السنوية من الكهرباء البالغة 40 ألف جيغاواط بالاعتماد على محطات الطاقة الشمسية على سبيل المثال فسيستنفد ناتجه الداخلي الخام كاملا”.
وأكد المتحدث ذاته أن “الفاتورة الطاقية تظل مرتفعة، ويفاقمها عدم انخراط العديد من المنشآت الصناعية والضيعات الفلاحية الكبرى في توظيف الطاقة الشمسية في أنشطتها التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء”، مؤكدا أن “المغرب يعوزه إيجاد بدائل للاستيراد إلى حد الآن، خاصة أن حقول الغاز المكتشف بعدد من المدن المغربية لن تغطي سوى نسبة ضئيلة من الاحتياجات الطاقية للبلاد”.
وتوقع الخبير عينه أن “يستمر الإنتاج المحلي من الطاقات المتجددة في 2024 في الارتفاع رغم بعض التحديات المطروحة، على غرار توقف محطة نور 3 بسبب مشكلات تقنية”، معتبرا أنه “ما من خيار للمغرب سوى تكثيف أوراش هذه الطاقات، وتخطي حاجز النقص في الإمكانيات المادية، عبر توفير مناخ قانوني ومؤسساتي لاجتذاب المستثمرين في هذا المجال، بما يضمن طاقة كهربائية أكبر بكلفة أقل”.
التزام مغربي
علي شرود، باحث في الشأن الطاقي والمناخي، قال إن “التزام المغرب بتعزيز إنتاجه المحلي من الطاقات المتجددة، سواء الريحية أو الشمسية، ساهم بشكل كبير في تقليص استيراده المنتجات الطاقية، وبالتالي وفّر على خزينته احتياطات مهمة من العملة الصعبة”، مستدركا بأن “مساهمة هذه الطاقات في المزيج الطاقي المغربي ترتفع أو تنخفض من فترة إلى أخرى، لأنها تظل مرتهنة إلى متغيرات الفصول والسنوات والظروف المناخية”.
وشدد شرود، في تصريح لهسبريس، على أن “تقليص المغرب فاتورته الطاقية مازال يصطدم بالنسب الكبيرة التي يستوردها من المنتجات الطاقية، ويتحكم فيها عاملان؛ أولهما صعوبة إطلاق عدة مشاريع خاصة بمحطات الطاقات المتجددة في فترات زمنية متقاربة، لأنها مرتفعة التكلفة على الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى غلاء المراوح والألواح الشمسية المستعملة في هذه المحطات، وارتفاع تكاليف نقلها، خصوصا إلى أعالي الجبال، فكيف بمتابعتها وصيانتها دوريا”.
أما السبب الثاني، بحسب الباحث ذاته، فيتمثل في “عدم قدرة بعض المدن الكبرى للمملكة التي تحتوي على كثافة سكانية مرتفعة، وتحتضن مناطق صناعية شاسعة، على الاستغناء عن مخزون طاقي يعتمد بالأساس على الطاقات الأحفورية التي يكلف استيرادها المغرب نسبة مهمة من احتياطات العملة الصعبة”.
ودعا المتحدث ذاته إلى “تحقيق عدالة مجالية في ما يتعلق بتعميم محطات الطاقة الشمسية على مناطق أخرى مشمسة طيلة السنة، بما يمكن أن يساهم من جهة في احتواء الطلب المتزايد على الطاقة، وبالتالي تقليص قيمة الواردات الطاقية، ومن جهة ثانية يوفر مزيدا من فرص الشغل للشباب الذين تزايد إقبالهم على معاهد التكوين في مهن الطاقات المتجددة”.
The post دور الطاقات المتجددة في تقليص الاستيراد يواجه تزايد الطلب وارتفاع التكلفة appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.