تناولت دراسة حديثة نشرت في العدد الأخير من “المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية”، التي تصدر عن “المركز الديمقراطي العربي”، مشكل عسر القراءة (الديسلكسيا) لدى ثنائيي اللغة من أبناء المهاجرين، والصعوبات التي يواجهونها على هذا المستوى، مشددة على “الأهمية البالغة للعوامل البيئية في التأثير على نتائج القراءة لدى الطفل الذي يعاني من هذا الاضطراب”.
وأشارت الدراسة التي أنجزها محمد عبو، باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الأول بوجدة، إلى أن “هذه العوامل مجرد متغيرات تنضاف إلى الأسس العصبية والبيولوجية لهذا الاضطراب، ما يعني أن طفلا مصابا بعسر القراءة، يعيش في سياق اجتماعي وأسري ومدرسي متفهم لاضطرابه ويقدم له كافة أشكال الدعم، يختلف عن طفل آخر يعاني من الاضطراب نفسه ويوجد في سياق مختلف”.
وسجلت الدراسة ذاتها أن “البيئة المحيطة بالطفل تلعب دورا رئيسيا على مستوى نتائج القراءة، لذلك فإنه من الضرورة بمكان الأخذ بعني الاعتبار العوامل البيئية التي يمكن اختزالها على الأقل في العوامل المنزلية التي تتحدد في مدى مشاركة الوالدين القراءة مع أطفالهم، ومدى المواءمة بين ثقافة المنزل والمدرسة؛ ثم العوامل المدرسية المتمثلة في ولوج الطفل إلى رياض الأطفال من عدمه، وعلاقته بمعلميه ومدى ممارسته القراءة بشكل منظم ومكثف، وكذا انخفاض تقدير الذات وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالبيئة المدرسية للطفل”.
وبينت الوثيقة أن دراسة اضطراب “الديسلكسيا” في سياق اجتماعي وثقافي معين “تجعلنا بمنأى عن التصورات الاختزالية التي ترجع أصل هذا الاضطراب إلى عامل واحد محدد، كما تجعلنا ننفتح على حالات أخرى قلما حظيت بالعناية من طرف الباحثين والمختصين في هذا المجال، مثل عسر القراءة عند أبناء المهاجرين في الفصول الدراسية للمجتمع المضيف”.
في السياق نفسه شدد الباحث ضمن دراسته على أن “الاقتصار على العوامل الجينية والنوروبيولوجية، وإقصاء العوامل الاجتماعية والاختلافات الثقافية واللغوية وعدم إدراجها كعناصر مهمة في تحديد عسر القراءة وتشخيصه، يؤدي لا محالة إلى إقصاء فئة اجتماعية مهمة من الأشخاص الذين يعانون من هذا المشكل”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن “أبناء المهاجرين الذين يعانون منه قد تختلف لديهم أعراض الاضطراب في اللغة الأم عن الأعراض نفسها في اللغة الثانية، كما أن وجود لغتين وثقافتين يمكن أن يتفاعل بشكل سلبي مع عسر القراءة”.
وأكدت الدراسة على أهمية العوامل الثقافية في فهم وتشخيص هذا الاضطراب التعلمي في مهارات القراءة الأساسية، مضيفة أنه “في سياق الهجرة يمثل إدراك التناغم والتنافر بين لغتيي الأطفال من أصول مهاجرة، أي اللغة الأم واللغة الثانية، ضرورة علمية ومنهجية لمعرفة سبل التدخل العلاجي الملائم لهذا الحالات”، مؤكدة على اختلاف طرق التعامل مع الأطفال من أبناء المهاجرين الذين يعانون من عسر القراءة باعتبارهم ثنائيي اللغة، وطرق التعامل مع غيرهم من أحاديي اللغة.
وأورد كاتب الدراسة أن أبناء المهاجرين الذين يعانون من عسر القراءة يعيشون في عالم ثنائي اللغة والثقافة، ثقافة ولغة البلد، ولذلك فإن “التعامل معهم يجب أن ينطلق من منظور يتجاوز الاختزالية البسيطة التي تُرجع هذا الاضطراب إلى أصوله الجينية والعصبية”.
وأشار الباحث ذاته إلى أن اضطراب “الديسلكسيا” رغم كونه اضطرابا نمائيا إلا أنه “يتأثر ويتفاعل مع العوامل البيئية والثقافية، التي يمكن أن تكون حاسمة في إحداث الاختلاف بين الأطفال الذين يعانون من عسر القراءة، فالطفل أحادي اللغة المصاب بهذا الاضطراب يختلف عن طفل ثنائي اللغة من أصول مهاجرة يعاني من الاضطراب نفسه”.
وخلص صاحب البحث إلى أن “البحث في عسر القراءة لدى ثنائيي اللغة أو أطفال المهاجرين يجب أن يتم في سياق ثقافي اجتماعي يُعنى بمجموعة من المتغيرات، على غرار ازدواجية اللغة والتعدد اللغوي والتنوع الثقافي والنظام التعليمي للبلد المضيف والبيئة الأسرية للطفل، إضافة إلى علاقة هذا الأخير مع زملائه وأقرانه وتوافقه النفسي ومدى اندماجه في الوسط المدرسي، وغير ذلك من المتغيرات التي تتجاوز المنظور العلمي الذي يدرس عسر القراءة باعتباره حقيقة مستقلة عن كل المحددات والعوامل الاجتماعية والثقافية”.
The post دراسة تبحث العوامل المفسرة لاضطراب “عسر القراءة” بين أبناء المهاجرين appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.