سجلت الفترة الأخيرة تنامي وتيرة تفويت الصيدليات بالمغرب، إذ تجاوزت أوساط السماسرة وقنوات البيع المباشرة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والبوابات العقارية المتخصصة، بعدما عرض عدد كبير من الصيادلة صيدلياتهم والأصول التجارية المرتبطة بها للبيع، وذلك بأسعار متفاوتة بشكل كبير، حسب السومة الكرائية ووضعية العقار وموقعه الجغرافي، وكذا رقم المعاملات ومستوى الرواج التجاري، وقيمة المداخيل والتحملات الواقعة على كل صيدلية.
وتراوحت أسعار تفويت الصيدليات في المتوسط بين 60 مليون سنتيم و150 مليونا، فيما تمركزت الدار البيضاء في صدارة عروض البيع، علما أن عمليات نقل الملكية الخاصة بهذا النوع من الأنشطة تعتبر بين الأكثر تعقيدا من الناحيتين القانونية والضريبية، ذلك أن كل صيدلية مرتبطة بأصل تجاري، ورقم معاملات، يحوي مداخيل وتحملات جارية ومخزونات، بالإضافة إلى متأخرات ضريبية بالنسبة إلى غير الملتزمين بالأداء الدوري للمستحقات الجبائية.
وحسب المادة 63 من الظهير 1.06.151، الصادر بتنفيذ القانون رقم 17.04، بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، يجوز للصيادلة تأسيس شركة تضامن بغرض استغلال صيدلية، شريطة أن يديرها كافة الشركاء، ولا يمكن لأي منهم أن يمتلك بصفة شخصية صيدلية أخرى، أو أن يكون شريكا فيها، فيما يجوز لهم أيضا أن يؤسسوا شركة ذات المسؤولية المحدودية بشريك واحد أو بمجموعة شركاء، مع اشتراط أن تكون هذه الشركة مالكة لأكثر من صيدلية واحدة، منبها إلى أنه في حال تعدد الصيادلة الشركاء، وجب أن يعهد إليهم بتسيير الصيدلية جميعا.
صعوبات خلف البيوعات
رغم رفع مستوى الهامش الإجمالي لأرباح الصيادلة إلى 34 في المائة، إلا أن مداخيلهم شهدت تراجعا ملحوظا بسبب انخفاض أسعار عدد كبير من الأدوية وجمود حجم المبيعات، بالإضافة إلى تأثر النموذج الاقتصادي للقطاع بتداعيات التضخم واستمرار انخفاض استهلاك الأدوية على المستوى الوطني، ما أثر سلبا على رقم معاملات الصيدليات، التي وجدت نفسها في وضع مالي صعب، حيث تزايد عدد المهددة بالإفلاس منها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
وربط حمزة اكديرة، رئيس المجلس الوطني لهيئة صيادلة المغرب، تنامي بيوعات الصيدليات بسببين رئيسيين؛ الأول يهم بلوغ عدد كبير من الصيادلة سن التقاعد، وتفضيلهم بيع صيدلياتهم وترك النشاط بشكل نهائي بعد سنوات طويلة من العمل، إلا أنهم يواجهون صعوبة في عمليات التفويت، نظرا للتعقيدات المسطرية المرتبطة بها.
السبب الثاني، يضيف المتحدث، يتعلق بالوضعية المالية الصعبة التي تعيشها 3000 صيدلية حاليا، متأثرة بتداعيات انخفاض أسعار الأدوية والتضخم وارتفاع تكاليف الكراء والنقل، وتفاقم حجم الديون لفائدة الموزعين والمختبرات.
وأفاد اكديرة، في تصريح لهسبريس، بأن الصيادلة الجدد ساهموا من جهتهم في رفع وتيرة عمليات تفويت الصيدليات، مشيرا إلى ارتفاع قيمة المستحقات الجبائية على عمليات بيع هذه المرافق الخاصة الحيوية، حيث يجري إخضاعها لبنود جبائية مختلفة، مشددا على أن تدبير صيدلية يظل أمرا معقدا، ويحتاج من الصيادلة المبتدئين توخي الحذر في الموازنة بين تحقيق الأرباح وتغطية التكاليف التشغيلية، المرتبطة بالكراء والنقل والصيانة، وقيمة السلع، والأهم من ذلك، التحملات الجبائية التي يمكن أن يتسبب تحصيلها عبر المساطر القسرية في إنهاء نشاط الصيدلية.
تعقيدات قانونية وجبائية
يعتبر تفويت صيدلية أمرا معقدا من الناحية القانونية والضريبية، إذ يجد العديد من الصيادلة أنفسهم محبطين بسبب العقبات التي عليهم تجاوزها من أجل استكمال عملية نقل الملكية، فيما لا يجوز للصيدلي، وفق مقتضيات مدونة الأدوية والصيدلة، أن يكون شريكا في أكثر من صيدلية واحدة. كما لا يمكن الحد من المسؤولية الجرمية وشبه الجرمية لمسيري الصيدلية، مع وجوب أن يكون كافة الصيادلة الشركاء حاصلين على إذن بمزاولة المهنة، علما أن الإذن يمنح بإحداث صيدلية أو استغلالها في إطار شركة للصيادلة الشركاء كل واحد باسمه، حيث لا يمكنهم مزاولة أي نشاط صيدلي آخر.
وبالنسبة إلى سيف الدين ندير، دكتور صيدلاني، فإن القانون يعفي مشتري الصيدلية من شروط المسافة والمعايير التقنية المتعلقة بمساحة العقار، فيما تتطلب عملية البيع إعداد وثائق معينة، تهم عقد البيع أو الوعد بالبيع للأصل التجاري أو العقار المحتضن للصيدلية، أو عقد تجديد أو وعد بتجديد الكراء، موضحا أنه في حالة رفض المستأجر التجديد، يجب على الصيدلي إثبات أن البائع قد أخطر هذا المستأجر بعملية البيع كتابيا، مع إشعار بالاستلام، إضافة إلى وثيقة تنازل عن حصص في شركة تستغل صيدلية، إذ يتيح هذا التنازل انتقالا أسرع وأكثر سلاسة للملكية، مشددا في المقابل على خطورته على المتنازل له في حالة وجود التزامات غير معلنة.
وأكد ندير، في تصريح لهسبريس، وجوب توفر الشركاء الجدد على الإذن بمزاولة المهنة والتسجيل في هيئة الصيادلة، مشددا على وجوب أن يحترم التنازل شروط المادة 63 من الظهير المتعلق بتنفيذ مدونة الأدوية والصيدلة، بما في ذلك تدبير الصيدلية من قبل جميع الشركاء، منبها إلى أن البيع بالتنازل يمثل الطريقة الأيسر لتجنب العوائق المالية والإدارية المرتبطة غالبا بالتنازل عن الأصل التجاري فقط، إلا أنها تتطلب يقظة متزايدة لتجنب المفاجآت غير السارة، المتعلقة بالتزامات غير معلنة، مثل المتأخرات الضريبية الثقيلة.
وأفاد عبد المجيد بلعيش، خبير في اقتصاد الأدوية، في تصريح لهسبريس أيضا، بوجود اختلالات على مستوى عرض الصيدليات في السوق، بسبب غموض أوضاعها المالية، مشيرا إلى أن أغلبها يتوفر على أصول تجارية مثقلة بالديون والحجوزات، خصوصا لفائدة الموزعين وإدارة الضرائب، مشددا على مغالاة بعض الصيادلة الجدد، الذين يسيئون اختيار مواقع إحداث صيدلياتهم في أسعار بيعها، حيث يراهنون على تزايد التجمعات السكانية، ولا يفكرون في التوازن المالي الآني للصيدلية، منبها إلى ضرورة توخي الحذر خلال عملية نقل الملكية، واستبيان الفرق بين تحملات الصيدلية وسعر بيعها المقترح، لغاية تحديد إطار مالي واضح للصفقة.
The post خبراء ومهنيون يعددون أسباب تنامي وتيرة تفويت الصيدليات في المغرب appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.