“ندعو إلى العمل على تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية الماء، وإحداث شعب لتكوين المهندسين والتقنيين المتخصصين؛ إضافة إلى تشجيع إنشاء مقاولات مغربية مختصة في إنجاز وصيانة محطات التحلية. وهنا نؤكد من جديد أنه لا مجال لأي تهاون، أو تأخير، أو سوء تدبير، في قضية مصيرية كالماء”، كان هذا مقتطفا من الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، الذي برز فيه جليا التأكيد الملكي على أهمية تطوير الصناعة الوطنية في مجال تحلية مياه البحر، مقترحا مداخل كبرى لهذا الغرض، بما فيها البحث العلمي وتشجيع المقاولات المغربية المتخصصة وإنجاز محطات التحلية وصيانتها.
وأكد خبراء في مجال الماء والتنمية المستدامة “أهمية السعي الجماعي إلى التأسيس لصناعة وطنية في مجال التحلية قائمة على كفاءات مغربية خريجة المدارس والمعاهد الوطنية، وتقنياتٍ من نتاج الإبداع المغربي في هذا الصدد، بما يجعل النجاح المنشود رديفا لِلّذي تم تحقيقه في مجال توطين قطاعات صناعة السيارات وصناعة الطيران”.
ويتعاون المغرب مع دولٍ أخرى في هذا الصدد، بما فيها كوريا الجنوبية، التي سبق أن وفرت له أجهزة خاصة بتحلية المياه، إذ يسعى إلى الاستفادة من التجارب الدولية المقارنة والتقنيات العالمية المستخدمة في هذا الإطار، على أن يتجه في المستقبل نحو التأسيس لصناعة وطنية في مجال تحلية مياه البحر، كما جاء في الخطاب الملكي، وذلك عبر اعتماد تقنيات وكفاءات مغربية بالكامل.
رهانٌ حاضر
أكد عبد العزيز الزروالي، مدير التخطيط والبحث المائي بوزارة التجهيز والماء، وجود “رهان ورغبة في ضمان السيادة الوطنية في ما يتعلق بتشغيل محطات تحلية مياه البحر، وتكوين الكفاءات من التقنيين والمهندسين، وهو التوجه نفسه الذي سبق أن نهجه المغرب بخصوص بناء السدود، بما أسس وقتها لتجربة مغربية في البنية التحتية السدّية”.
وأضاف الزروالي، مصرّحاً لهسبريس، أن “هناك اشتغالا متواصلا على موضوع تحلية مياه البحر طيلة السنوات الماضية، بما مكننا اليوم من مشاريع في طور الإنجاز، وإطلاق دراسات تهم تتبع جودة المياه بالمناطق التي يتم بها إنشاء محطات التحلية موازاة مع حصول تغيّرٍ كبير في الموارد المائية القارة وغير الاعتيادية للمملكة”.
وأكد المتحدث ذاته صواب التأكيد الملكي السامي على استعمال الطاقات المتجددة في تحلية مياه البحر، وهو “التوجه الذي سيتم اعتماده بمحطة الدار البيضاء من أجل تقليل كلفة الإنتاج مقارنة مع استعمال الطاقات غير المتجددة، في وقت أكد الملك كذلك على الربط بين الأقاليم في ما يخص التزود بهذه الطاقات المتجددة والنظيفة”.
ولفت المسؤول ذاته إلى “وجود مجموعة من البرامج المسطرة من أجل إنجاح هذا الورش”، مردفا: “نعتمد اليوم في المغرب في تسيير محطات التحلية على شراكة عمومية خصوصية، وهي المنهجية التي يعتمدها العالم ككل في مجال تحلية مياه البحر”، مؤكدا بذلك على أهمية “التأسيس لصناعة مغربية في مجال تحلية مياه البحر، بما يساهم في ضمان سيادة مائية تؤسس لسيادة غذائية كذلك”.
“مغربةُ” تحلية المياه
فؤاد الزهراني، دكتور في علوم البيئة والتنمية المستدامة، أكد أن “الخيار الوطني بخصوص المياه بات واضحا، ما دمنا نتوفر على أزيد من 3600 كيلومتر من السواحل؛ بمعنى أن التحلية هي الخيار المستقبلي الواقعي والوحيد في ظل تطرف المناخ وانحباس مياه الأمطار”، موردا أن “هذا الخيار رغم كونه مكلفا إلا أن اعتماد الطاقات المتجددة بإمكانه أن يقلل من هذه التكلفة، مع رفع الإنتاجية بما يسمح بالتأسيس خلال القادم من السنوات لصناعة وطنية في مجال تحلية مياه البحر”.
الزهراني أضاف في تصريحه لهسبريس أن “التأسيس للصناعة الوطنية في مجال تحلية مياه البحر لمحاربة الإجهاد المائي سيتم الوصول إليه من خلال تكوين الشباب التقنيين والمهندسين، وتوفير كوادر مؤهلة تقنيا، ما ستساهم فيه المدارس المغربية للعلوم والهندسة عبر خلق شعب عديدة بكليات المملكة من أجل تطوير التقنيات والتصورات بخصوص الموضوع”.
وثمّن المتحدث الحديث الملكي عن صناعة وطنية تضمن السيادة المائية، فحسبه “من مداخل الوصول إلى هذه المرحلة هو التركيز على البحث العلمي في هذا الجانب، بما يسمح بتوفير اليد العاملة والكفاءات الهندسية التي بوسعها ضمان استمرارية عمل محطات التحلية التي يرتقب أن يتم الرفع من منسوب انتشارها بمختلف الأقاليم المغربية”.
وتابع الخبير ذاته: “الصناعة الوطنية في هذا المجال تقتضي فتح المجال للشركات المغربية وتشجيع البحث العلمي وتطوير التقنيات المحلية المستعملة؛ فنحن اليوم راكمنا تجربة لا بأس بها في هذا الإطار من خلال التجارب والتقنيات الأجنبية التي استفدنا منها، أو من إدارتنا محطات للتحلية ببعض المدن”، لافتا إلى أن “كل هذه التراكمات يجب دعمها بالبحث العلمي وبتوفير الكفاءات المحلية القادرة على ذلك”.
وعاد الدكتور في علوم البيئة والتنمية المستدامة ليشير إلى أنه “من الجدير بالإشادة بأن نتّبع الإستراتيجية نفسها تقريبا التي اعتمدناها في توطين صناعة السيارات وصناعة الطيران كذلك، اللتين صرنا نقدمهما كتجربة رائدة على المستوى القاري وبالمنطقة ككل”، معتبرا في الأخير أن “الواقع يؤكد ضرورة عدم ضياع المزيد من الوقت في هذا الملف الإستراتيجي المرتبط أساسا بضمان السيادة المائية والغذائية”.
The post خبراء مغاربة يدعون إلى تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية مياه البحر appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.