“جدل قديم جديد” بين المغاربة بخصوص الدعوة إلى إلغاء تجريم الإجهاض أو “الإيقاف الإرادي للحمل” أعاده تناسل حالات العثور على رضع حديثي الولادة في مدن مغربية في الآونة الأخيرة. ولأن أغلب هؤلاء وجدوا جثة هامدة فقد رأت الديناميات الحقوقية الرافعة لهذا المطللب في هذه الحالات “دليلا على تناقض من يرفضون إباحة الإجهاض بدعوى الحفاظ على حق الجنين في الحياة”؛ فيما رفض المعارضون سياسة “انتقاء الزوايا”، مؤكدين أن “موجة التخلي عن الرضع نتاج لتفريخ العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، ولذا فالسيطرة عليها تتطلب تغليظ العقوبات لا إتاحة سلب الحق في الحياة ممن لا ذنب له”.
وكان مواطنون عثروا، الإثنين، على جثة جنين حديث الولادة من جنس أنثى بمطرح نفايات، بعد تفريغ شاحنة لنقل الأزبال قادمة من حي (دلاس) غربي حي السلام بمدينة سطات، وفقا ما أفادت به مصادر مطلعة في تصريح لهسبريس.
هسبريس كانت وقفت أيضا عند عثور مواطنين بمدينة بيوكرى، ضواحي أكادير، الأحد الماضي، على جثة رضيعة ولدت حديثا خلف منزل يقع قبالة الثانوية التأهيلية الجولان؛ وهي الرضيعة التي يرجح أنها ناتجة عن علاقة خارج إطار الزواج. فيما أتت هذه الحالة بعد أقل من أسبوعين من عثور مواطنين بمدينة الرشيدية على رضيع حديث الولادة في وضعية صحية جيدة، بالقرب من المستشفى الجهوي مولاي علي الشريف.
إعادة المطلب
قالت كريمة رشدي، فاعلة وحقوقية نسوية، إن “تناسل حالات العثور على رضع حديثي الولادة بجانب المساجد ومطارح النفايات والأماكن الخلاء يعيد مطلبنا ترحيل الإجهاض من القانون الجنائي إلى المنظومة الطبية؛ فهذه الحالات تكشف عن تناقض واضح بين اعتبار الإجهاض جريمة لأنه يصادر الحق في الحياة بالنسبة للجنين وموت الرضيع حديث الولادة ساعات بعد التخلي عنه بسبب عدم قيام والدته بالإجهاض”.
وأضافت رشدي، في تصريح لهسبريس، أن “أمهات هؤلاء الرضع المتخلى عنهن غالبا ما ينأين بأنفسهن عن الإجهاض التقليدي خارج المنظومة الطبية؛ فهن يدركن خطر هذا النوع الذي يودي بحياة نسبة مهمة من 800 مغربية يقمن به يوميا”، مشددة على أن “هؤلاء الأمهات لا يسلمن من توابع عدم تجريم الإجهاض؛ إذ قد تفضي ولادتهن في ظروف غير طبيعية إلى إصابتهن بالعقم أو موتهن خلال عملية الولادة”.
وشددت الفاعلة والحقوقية النسوية على أن “رفع تجريم الإجهاض سيمكن المرأة من اللجوء إلى إجهاض طبي يقيها من الاضطرار إلى التخلي عن الرضيع”؛ فيما يهم الأمر “فتيات غالبا ما يكن ضحية التغرير ولا يملكن القدرة على مواجهة عائلاتهن”، وزادت: “وهو إجراء قانوني يستدعيه أيضا عدم توفر المغرب حتى الآن على مؤسسات رسمية وجمعيات مجتمع مدني تتكفل بهؤلاء الرضع دون تنقيص منهم أو ووصمهم بغير الشرعية عند تقدمهم في السن”، مؤكدة أن “العديد من الأمهات العازبات يفضلن التخلي عن أبنائهن حتى لا ينشؤوا في ظروف منافية للكرامة الإنسانية”.
دعوة للامسؤولية
خديجة مفيد، رئيسة مركز الدراسات الأسرية والبحث في قيم وقضايا الأسرة، قالت إن “هذه الحالات المتواترة للتخلي عن الرضع حديثي الولادة تستعجل اجتثاث العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وتغليظ العقوبات على الذين يمارسونها، وليس الدعوة إلى رفع التجريم عن الإجهاض”، معتبرة أن “من ينادون بهذا المطلب هم من يقعون في التناقض بين ادعاء النهل من المرجعية الحقوقية والمطالبة بتجريد الجنين من حقه في الحياة، لا لشيء إلا لأن أمه دخلت في علاقة غير مسؤولة”.
وأضافت مفيد في تصريح لهسبريس أن “الدعوة إلى رفع تجريم الإجهاض في هذا الإطار هي دعوة إلى اللامسؤولية والاستهتار بحقوق الإنسان والمجتمعات”، مشددة على أنه “يجب التخلي عن سياسية انتقاء الزوايا في النظر إلى ظاهرة التخلي عن الرضع، بل استحضار كونها ناشئة بالأساس عن عدم لجوء من يقيمون علاقات رضائية، مدفوعين بدعوات حرية التصرف التام للمرأة في جسدها والتساهل في تسويق المضامين الإباحية والهدامة، إلى الأساليب الوقائية المتوفرة، ما تكون نتيجته في نهاية المطاف أطفال بدون هوية أو انتماء، مثقلين باضطرابات نفسية طيلة حياتهم”.
وأقرّت المتحدثة ذاتها بأن “الظاهرة تعيد إلى الواجهة إشكالية عدم امتلاك الدولة المغربية بنيات مؤسساتية قادرة على الاعتناء بوضعية الأطفال عموما، عدا عن عدم توفرها على سياسات ناجعة ومؤسسات عمومية وموارد بشرية قادرة على ضمان الحماية والرعاية لهؤلاء الرضع حتى يشتد عودهم”، مؤكدة ضرورة “تقليص الاكتظاظ الذي تشهده المؤسسات الخيرية وإنشاء أخرى بمعايير دولية تحتضن مجموعات صغيرة من هؤلاء المتخلى عنهم”.
The post حوادث التخلي عن الرضع تحيي النقاش العمومي بشأن “إباحة الإجهاض” appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.