يشكل القرار الأخير الذي اتخذه الاتحاد الإفريقي والقاضي باستبعاد مشاركة الكيان الوهمي في تندوف في المحافل واللقاءات والقمم الدولية التي تجمع هذه المنظمة بشركائها الدوليين وحصر المشاركة في هذه المناسبات على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة دون غيرها، حسب مهتمين، تحولا جديدا في مسار التعاطي الإفريقي مع قضية الصحراء المغربية وخطوة إيجابية في اتجاه تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته منظمة الوحدة الإفريقية سابقا.
كما يترجم هذا القرار، أيضا، اتساع رقعة الاقتناع الدولي بخطورة هذا التنظيم المسلح المدعوم من لدن بعض الدول على الأمن والاستقرار اللذين يعدان شرطين أساسيين لتحقيق التطور الاقتصادي وتعزيز التعاون الدولي، وضمان وفاء الدول بالتزاماتها الدولية والاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف التي وقعتها مع دول أخرى.
ويمهد هذا القرار الطريق أمام الطرد النهائي لهذا الكيان المفتقد للشرعية، والذي زُرع في المنطقة من أجل تحقيق أهداف وأجندات معروفة ومكشوفة.
وشكل عدم توفر البوليساريو على أي وضع قانوني لدى الأمم المتحدة، باعتراف من الأمين العام الأممي نفسه، مدخلا مهما بالنسبة للمغرب من أجل عزل هذا التنظيم على المستوى القاري. وفي هذا الصدد، سبق أن صادقت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم على تعديل تقدمت به المملكة يرفض عضوية أي اتحاد كروي لا ينتمي إلى دولة معترف بها أمميا. كما سبق أن تلقت البوليساريو ضربات عديدة، ومن أكبر أصدقاء داعميها، من خلال استبعادها من المشاركة في عدد من القمم؛ على غرار القمة الإفريقية الروسية، والقمة الإفريقية الكورية، إلى جانب القمم التي تجمع دول الاتحاد الإفريقي بالدول العربية.
رهان خاسر
عباس الوردي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “استبعاد ميليشيا البوليساريو من المشاركة في الاجتماعات واللقاءات والقمم ذات الصبغة الدولية وحصر المشاركة على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قرار يؤكد أن المملكة المغربية على السكة الصحيحة وأن القناعة الدولية بدأت تستكمل معالمها في إطار مواجهة مثل هذه الكيانات الوهمية والإرهابية على مستوى منظمة لها قوانينها وآياتها المرتبطة بمبادئ الشرعية الدولية”.
وأضاف الوردي أن “هذا القرار الإفريقي هو تصويب لوجود كيان غير شرعي ولا يتمتع بأي وضع قانوني لدى الأمم المتحدة داخل الجسم القاري، وهو كذلك دحض لمجموعة من المغالطات التي تروجها بعض الدول الضالة في العلاقات الدولية على رأسها الجزائر”، مشيرا إلى أن “هذا القرار يمهد الطريق أمام الطرد النهائي لهذا الكيان المزعوم من الاتحاد الإفريقي”.
وأوضح المصرح لـ هسبريس أن “الأمر يتعلق بتوجه حثيث يؤكد أن لا مكان للإرهاب والميليشيات المسلحة على مستوى المنظمات الإقليمية وعلى مستوى البنية الدولية التي لم تعد تقبل هكذا كيانات”، مسجلا أن “استبعاد الجبهة الانفصالية من المشاركة في الاجتماعات الإفريقية ذات الطابع الدولي يحيل على توسع رقعة الاقتناع الإفريقي بشأن وضع هذه البنية الهشة وارتباطها بالحركات الإرهابية التي تهدد الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية التي تواجه مجموعة من التحديات والتي لا يمكن تجاوزها إلا في إطار من التعاون الاستراتيجي بين الدول المستقلة المعترف بها أمميا وفي إطار الشرعية الدولية واحترام المبادئ المؤطرة للعلاقات الدولية”.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “هذا الإنجاز يجب أن يوثق بحروف من ذهب على أصرحة الاتحاد الإفريقي”، مشددا في الوقت ذاته على أن “الدول المعادية للوحدة الترابية للمملكة خسرت الرهان وتهاوت أصواتها ومخططاتها في ظل توجه قاري ودولي يرفض النزعات الانفصالية ويتشبث بالحفاظ على سلامة ووحدة أراضي الدول وتجنب التدخل في شؤونها الداخلية”.
تصحيح المسار
محمد عطيف، باحث في القانون الدولي، قال، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “الخطوة التي أقدم عليها الاتحاد الإفريقي تتماشى كليا مع الشرعية الدولية باعتبار أن الكيان الوهمي في تندوف يفتقر إلى أبسط مقومات الدولة المنصوص عليها في القانون الدولي. كما يتماشى مع الأهداف المنصوص عليها في القانون الأساسي للاتحاد؛ على رأسها هدف تعزيز وتشجيع التعاون الدولي، مع الأخذ بعين الاعتبار ميثاق الأمم المتحدة”، مضيفا أن “الاتحاد الإفريقي بدأ يصحح الأخطاء التي ارتكبتها منظمة الوحدة الإفريقية سابقا”.
وزاد الباحث المتخصص في القانون الدولي أن “الدول الإفريقية بدأت تستوعب حقيقة وأهداف إقحام هذا الكيان في البنية القارية التي تعرف اليوم تحولات جيو-سياسية كبرى تفرض تقوية الدول الوطنية لمواجهة مختلف الأزمات الأمنية والاقتصادية”، مشيرا إلى أن “هذه الخطوة تترجم أيضا رفض الدول الشريكة للاتحاد الإفريقي لحضور تنظيم غير معترف به في اللقاءات التي تجمعها مع هذه المنظمة، وهو ما يؤكده غياب هذا التنظيم عن مجموعة من اللقاءات على غرار القمة الإفريقية الإيطالية والقمة الإفريقية الكورية وغيرها من القمم”.
وسجل المتحدث ذاته أن “هذه الدول استوعبت أن جلوسها إلى جانب الحركات الانفصالية المسلحة يشكل عرقلة لمسار التعاون والشراكات الاقتصادية الهادفة؛ وبالتالي فإنها أضحت لا تؤمن إلا بمنطق الدول المستقلة المعترف بها والكاملة السيادة والأكثر من ذلك القادرة على المساهمة في الجهود التنموية وفي التعاون الاقتصادي الدولي وليس كيانات وظيفية لا تملك قرارها وتستعملها دول معينة لتحقيق أهداف متجاوزة”.
وتابع عطيف بأن “المغرب تمكن من تحقيق مجموعة من المكاسب الدبلوماسية، من خلال الدفع بافتقاد التنظيم الانفصالي للشرعية والاعتراف الدوليين وهو ما يمهد لعزل هذا التنظيم المسلح وموته”، مشيرا إلى أن “الأمم المتحدة نفسها لا تملك سلطة الاعتراف بالبوليساريو، إذ لا بد من صدور توصية من مجلس الأمن بذلك يصوت عليها 9 أعضاء من أصل 10، شريطة أن لا يستخدم أي عضو دائم حق الفيتو، قبل أن تحال على الجمعية العامة التي يجب أن تصوت هي الأخرى بأغلبية الثلثين؛ وهي شروط لا يمكن أن تتحقق على المديين المتوسط والبعيد بفضل شبكة المصالح التي نسجها المغرب مع القوى الفاعلة في الساحة الدولية”.
The post تقزيم حضور البوليساريو بالمحفل الدولي يمهد لتصحيح مسار الاتحاد الإفريقي appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.