أفاد تقرير صادر عن مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول السياسة اللغوية بالمغرب بأن الأمازيغية تعتبر “اللغة الأصلية للمغرب، وكانت هي اللغة السائدة في البلاد قبل الفتح الإسلامي”، موضحا أن “تاريخها يعود إلى ما قبل الميلاد، وهي تنتمي إلى عائلة اللغات الأفرو-آسيوية؛ وتتميز بتنوع لهجاتها وثرائها الثقافي، كما لعبت دورا أساسيا في تشكيل الهوية الثقافية للمغرب”.
وأورد التقرير ذاته، توصلت هسبريس بنسخة منه من المجموعة، أن الأمازيغية تطورت بشكل أدى إلى ظهور العديد من لهجاتها في المغرب، التي تختلف في النطق والمفردات والقواعد النحوية، مسجلاً أن المشهد اللغوي الأمازيغي استقرّ على بروز ثلاث لهجات كبرى، هي: تاشلحيت التي يتحدث بها سكان جبال الأطلس الكبير والمتوسط، وتمازيغت التي يتحدث بها سكان الأطلس المتوسط، والريفية التي يتحدث بها سكان منطقة الريف.
وتحدث التقرير عن التحاق اللغة العربية ببلاد المغرب “مع الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي؛ فأصبحت العربية منذ ذلك الحين لغة الدين والثقافة والإدارة، حيث جلبها العرب المسلمون الذين قدموا من شبه الجزيرة العربية”، مضيفا أن “اللغة الأمازيغية تأثرت بشكل كبير بالعربية، مما أدى إلى ظهور لهجات عربية مغربية متنوعة، مع استمرار استخدام الأمازيغية في بعض المناطق”.
كما أشار المصدر ذاته إلى دخول الفرنسية إلى الحقل اللغوي المغربي، مع الحماية، أي فترة الاستعمار الفرنسي والإسباني في القرن الماضي، التي جعلت الفرنسية لغة الإدارة والتعليم العالي، بينما استخدمت الإسبانية في بعض المناطق الشمالية، موردا أن “اللغة الفرنسية تطورت في المغرب عبر العقود وأدى التفاعل اللغوي مع اللغات الموجودة في النسيج اللغوي في فترة الحماية إلى ظهور بعض الكلمات والعبارات المغربية في اللغة الفرنسية المستخدمة في المغرب”.
وبعد الاستقلال في عام 1956، شهد النسيج اللغوي بالمغرب، حسب التقرير، “تطورات جديدة، بحيث تم الاعتراف باللغة العربية الفصحى كلغة رسمية، إلى جانب الأمازيغية التي تمت دسترتها في عام 2011″، مستدركاً بأنه مع ذلك “لا تزال الفرنسية تلعب دوراً هاما في مجالات التعليم والإعلام والأعمال؛ وهو ما يجعل النسيج اللغوي المغربي يواجه عدة تحديات”.
وعرضت الوثيقة الرسمية التحديات التي “تقف أمام تطبيق المغرب سياسة لغوية أكثر وضوحاً وفعالية، مع توفير الموارد اللازمة لدعم التعددية اللغوية وتعزيز مكانة اللغات الرسمية في المجتمع، موضحة أن من بين أهم التحديات القائمة، “يوجد عدم الوضوح والتطبيق غير المتّسق”، وزادت أن “السياسة اللغوية في المغرب تفتقر إلى الوضوح الكافي في تحديد الأدوار والمجالات لكل لغة (العربية، الأمازيغية، الفرنسية…)، مما يؤدي إلى تطبيق غير متسق ولا متوازن في مجالات التعليم والإدارة والإعلام”.
وأضافت اللجنة في تقريرها أن هناك “إهمالا للغتين الرسميتين، إذ على الرغم من الاعتراف بالعربية وبالأمازيغية كلغتين رسميتين، إلا أن حضورهما الفعلي لا يزال محدوداً، مع وضع أسوأ للغة الأمازيغية، خاصة في مجال التعليم بعد إقرار مبدأ التناوب اللغوي بشكل غير مقبول ولا ينسجم مع ما جاء في الرؤية الاستراتيجية 2030، كما أنه لا ينضبط لنص تنظيمي كما أوصى بذلك القانون الإطار رقم 51.17”.
وكشف التقرير “الهيمنة اللغوية للفرنسية”، مسجلا أن لغة موليير “لا تزال تحتل مكانة مهمة في التعليم المدرسي والتعليم العالي والإدارة والاقتصاد، مما يحد من فرص استخدام العربية والأمازيغية في هذه المجالات”، مبرزا وجود “استحواذ” لهذه اللغة على ثلثي زمن التعلم في التعليم الإلزامي والباقي تتقاسمه اللغتان الرسميتان مع حضور باهت للغة الأمازيغية.
وتحدثت الوثيقة سالفة الذكر عن وجود “خلط بين التعدد اللغوي والتلوث اللغوي”، شارحةً أن “التداخل المعجمي بين اللهجات العامية واللغات الأجنبية، والضبابية في توزيع الوظائف بين اللغات المعيارية واللهجات المتفرعة عنها يفضي إلى تفشي ظاهرة إفقار اللهجات المغربية بإدخال معجم أجنبي بدأ في طمس هوياتها، وبروز بعض الأصوات الداعية إلى منح العامية المغربية وظائف غير مؤهلة لها لن تؤدي سوى إلى إزاحة اللغة العربية”.
وسجلت أيضاً “نقص الموارد البشرية والمادية”، لافتة إلى معاناة القطاع التعليمي من نقص في المدرسين المؤهلين لتدريس اللغات، سواء الرسمية أو الأجنبية، كما أن هناك نقصا في الموارد التعليمية والبرامج المتخصصة التي تدعم تعلم اللغات الرسمية وتيسير التواصل بها فيما بين المتعلمين والمتعلمات.
وبلغة تحمل بعضاً من “العتاب”، تحدث تقرير السياسة اللغوية عن التعثر الذي عرفه تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، خصوصا “التأخر في إخراج القانون التنظيمي رقم 26.19 إلى حيز الوجود لثماني سنوات بعد دسترة الأمازيغية، مع عدم احترام الآجال التي حددها هذا القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل طابعها الرسمي وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية”.
ونبه التقرير إلى “ضعف انخراط بعض القطاعات الحكومية في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، وإلى “التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبط بالتحديات اللغوية، مثل الفوارق الاجتماعية والمجالية، مما يعقد من مسألة تحقيق العدالة اللغوية بين مختلف فئات المجتمع، خاصة تلك التي لا تتوفر على الفرص الحقيقية لتطوير مستوى التحكم في اللغات”.
وشدد التقرير على أن “إعادة النظر في مكانة اللغة الفرنسية في النظام التعليمي والإدارة تعدّ رهانا مهما لتحقيق العدالة اللغوية وتكافؤ الفرص بين المواطنين”، ويتدبّر ذلك انطلاقاً من “العمل على إعادة التوازن بينها وبين اللغتين الرسميتين في اتجاه إعطاء الأسبقية للغتين العربية والأمازيغية، مع منح مكانة أكبر للغات الأجنبية الأكثر تداولا كما يقول الدستور، خاصة اللغة الإنجليزية”.
وأوصت مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول السياسة اللغوية بالمغرب، بـ”إلزام الحكومة ومختلف المؤسسات الوطنية باستعمال اللغات الرسمية في الاجتماعات الرسمية وبمناسبة استقبال الوفود الأجنبية وتمثيل المغرب في المنتديات والمحافل الدولية”.
The post تقرير رسمي: الأمازيغية لغة المغرب الأصلية .. والفرنسية تستحوذ على التعليم appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.