تواصل المحكمة الدستورية ممارسة اختصاصاتها وإنهاء علاقة نوابٍ برلمانيين بالمؤسسة التشريعية والتمثيل النيابي لقاطني دوائر انتخابية معينة؛ ففي مدة شهر انضم نائبان برلمانيان إلى قائمة المجردين من مقاعدهم، ويتعلق الأمر بعبد الرحيم واسلم عن دائرة المحيط بالرباط، وعبد الصمد خناني عن دائرة خريبكة المحلية، باختلاف الأسباب، في وقت يُتابع عشرات آخرون أمام القضاء إلى حدود اليوم.
وعادة ما يخلق تجريد نائب برلماني من مقعده ارتباكا على مستوى النسق السياسي ويحرج أحزابا ويجعلها أمام سياق جديد يفرض عليها تقديم مرشحين آخرين، تُنتظر منهم المساهمة في الحفاظ على تموقع كل حزب على حدة، على بعد عامين تقريبا على انتخابات 2026 التشريعية التي يسعى كل حزب إلى الظفر بأصوات المواطنين خلالها؛ فتعويض نائب برلماني بآخر يقتضي قرارا جديد من وزارة الداخلية يتم بمقتضاه إجراء انتخابات جزئية جديدة بعد حملة انتخابية وتقديم المترشحين بطبيعة الحال، وهو ما يتطلب فترة زمنية لا بأس بها.
وتقول آراء في هذا الصدد إن تجريد مسؤولين من مهامهم في منتصف الزمن السياسي يربك السير العادي للمشهد السياسي ويربك خطط الأحزاب، بل ويحرجها في أحايين أخرى، بالنظر إلى أنها تتحمل مسؤولية التزكية، كما يتحمل المواطن كذلك مسؤولية التصويت، رغم مركزية مبدأ البراءة في البدء. والشاهد هنا أن الأحزاب بالعاصمة الرباط مازالت تراقب الوضع وتحاول تدارس موضوع المشاركة في الانتخابات الجزئية المرتقبة في شتنبر المقبل.
وقال باحثون في مجال العلوم السياسية، ممن يتابعون تطورات هذا الموضوع بالذات، إن دور المحكمة الدستورية في هذا الإطار مهم جدا، لكونه ينهي مسؤوليات أفراد غير مؤهلين أو ثبت في حقهم اقتراف مخالفات قانونية، خصوصا إن كانت مرتبطة بالمال العام، موردين أن توالي مغادرة مسؤولين سبق ترشيحهم مناصب المسؤولية يمسُّ بتصور المواطنين للعملية الديمقراطية برمتها.
من منطلقها كباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية أكدت مريم أبليل أن “توالي تجريد النواب البرلمانيين من مهامهم يمس بتصورات المواطنين للعملية الانتخابية والتمثيل السياسي على مستوى المؤسسة البرلمانية، خصوصا أن غالبية عمليات التجريد ترتبط أساسا بكون النائب البرلماني متهما بتبديد أموال عمومية، أو قضايا فساد، خلال فترة توليه مسؤولية تدبيرية معينة”.
وقالت أبليل لهسبريس إن “هذه المسائل تخلق انطباعات مباشرة لدى المواطنين بأن الاختيارات التي قامت بها الأحزاب السياسية بتزكيتها أفرادا معينين تبقى خاطئة في الأساس؛ فيما المحكمة الدستورية في نهاية المطاف تقوم بدورها من خلال الإفراج عن قرارات من هذا القبيل، بعد أن تثبت التهمة في حق ممثل للأمة بعينه”.
وتابعت المتحدثة ذاتها: “في نظري يبقى اختصاص تجريد برلمانيين من مقاعدهم مُثقلا كاهل المحكمة الدستورية التي يجب أن تبقى مكلفة بالمسائل الكبرى المتعلقة بدستورية القوانين التنظيمية، والسهر على التطبيق الكامل للفصل بين السلط، في وقت يمكن أن يتكفل القضاء الإداري بمثل هذه القضايا كما يتم عادة في معالجة وضعية المنتخبين الجماعيين والمحليين”.
وعادت الباحثة ذاتها لتشير إلى أن “هذه الوضعية تجعلنا أمام فقدان المواطنين الثقة في الأحزاب التي رشحت مواطنين تعلم أنهم مشبوهون أو متابعون أمام القضاء في قضايا معينة، خصوصا تلك التي تتصل بالمال العام”، مستبعدة تأثير هذه المسائل في سير المشهد السياسي واستمرارية التمثيل البرلماني، إذ “يبقى العمل البرلماني في نهاية المطاف مسنودا بتكتلات برلمانية، فلم نصل بعدُ إلى مرحلة وجود علاقة مُمأسسة بين النائب البرلماني ومنتخبي دائرته الانتخابية”.
أما حفيظ الزهري، أكاديمي باحث في العلوم السياسية، فاعتبر أن “دور المحكمة الدستورية مهم في هذا الصدد، لأنه في نهاية المطاف تطبيق للقانون في حق من ثبت في حقهم ارتكاب ما يخالف القانون؛ فالتجريد من المقعد البرلماني يبقى درسا من دروس السياسة الوطنية للمستقبل، إذ يمكن أن يساهم في استبعاد كل من ثبت في حقهم تبذير المال العام أو استغلال النفوذ طيلة توليهم مسؤولية من المسؤوليات العمومية”.
الزهري أوضح ضمن إفادته لهسبريس أن “مواصلة المحكمة الدستورية القيام بمهامها في مراقبة الوضعية القانونية لأعضاء البرلمان سينتج واقعا سياسيا جديدا في المستقبل، حيث يرتقب أن يكون هناك تراجع لحالات تربع فاسدين على رأس إدارة شؤون المغاربة، بما سيجعلهم خارج اللعبة السياسية”، موردا أن “ذلك سيفتح الباب أمام نخبٍ جديدة لتولي المسؤوليات”.
ولفت المصرح ذاته إلى أن “كل هذه المستجدات التي طبعت الفترة الأخيرة من الزمن السياسي تؤكد ضرورة إخراج كل الأحزاب ميثاقا سياسيا داخليا يمنع تزكية مشتبه في ارتكابهم ما يعاقب عليه القانون، خصوصا إن ارتبط بمخالفات في التدبير العمومي أو المساس بالمال العام، من أجل تصحيح الوضع القائم إلى يومنا هذا الذي يتصل بكون الأحزاب تزكي أشخاصا لجماهيريتهم وقاعدتهم الانتخابية لا غير، رغم كونهم في بعض الأحيان متابعين أمام القضاء”.
The post تجريد نواب برلمانيين من العضوية يحرج الأحزاب ويفتح الباب أمام نخب جديدة appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.