تشهد العطلة الصيفية بالمغرب انتشارا لافتا لظاهرة تشغيل الأطفال الذين يزاولون بهذه المناسبة مجموعة من الأنشطة التي تفوق في بعض الأحيان قدراتهم الفيزيولوجية، فيما يصطدم تشغيل الطفل في المغرب بمجموعة من المقتضيات القانونية الوطنية والدولية التي تجرم عمالة الأطفال دون سن معين، على اعتبار أن الأمر ينطوي على تجاوزات حقوقية تطال هذه الفئة الهشة من المجتمع، في وقت تظل الحاجة الاقتصادية والمجتمعية المحرك الأساسي لهذه الظاهرة.
وأثير هذا الموضوع داخل قبة البرلمان، حيث وجهت النائبة عويشة زلفي، عن الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، سؤالا إلى وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، اعتبرت من خلاله أن تشغيل الأطفال مساس بحقوقهم وضرب للدستور والاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب، متسائلة في الوقت ذاته عن الإجراءات التي تتخذها الوزارة المعنية من أجل “تمتيع جميع أطفال المغرب بالاستفادة من العطلة الصيفية”، وعن “أسباب ضعف عدد الأطفال المستفيدين من المخيمات الصيفية على الصعيد الوطني”.
تفاعلا مع هذا الموضوع قال عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن “القانون يحظر تشغيل الأطفال ما دون سن الخامسة عشرة، لكن من الناحية العملية فإن الكثير من الأطفال من الأسر المعوزة، خصوصا بين سن الـ7 والـ14، يضطرون للعمل بشكل مؤقت أثناء العطلة الصيفية مثلا، في أنشطة خدماتية أو في أوراش الحدادة أو النجارة وغيرها، إما لمساعدة أسرهم أو لتحقيق عائد يغطي مصاريف دراستهم في الحد الأدنى”.
وأضاف الخضري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الحالات موجودة في المجتمع شئنا أم أبينا، لكن المشكلة الأساسية تكمن في المخاطر التي تحوم بحياة وصحة وسلوك الطفل، فإذا كان الطفل يشتغل مع أحد الأقرباء أو شخص ما يهتم بسلامته فإنه يكون في الغالب حريصا على توفير الحماية اللازمة له من المخاطر المحتملة”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “اكتساب المال في مرحلة الطفولة قد يحفز الطفل على العزوف عن الدراسة، وبالتالي قد يؤدي إلى الهدر المدرسي؛ كما أن تأثير المحيط السيئ قد يعرض الطفل إلى التعاطي للتدخين والمخدرات وما شابه، فضلا عن الاستغلال والاعتداء الذي قد يصل إلى الاغتصاب في حالة غياب من يحمي هذا الطفل”.
وشدد الفاعل الحقوقي على أن “تشغيل الأطفال في سن مبكرة محفوف بمخاطر كثيرة، ويكون من الأفضل ومن باب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص توفير مخيمات كشفية لفائدة أبناء الأسر المعوزة، حتى يتسنى لهؤلاء الأطفال اكتساب مهارات بناءة تساعدهم في حياتهم، أفضل من الارتماء في أحضان السوق والأوراش العشوائية، حيث تكون المخاطر على حياة وشخصية الطفل أكثر بكثير من المنافع”.
من جهته أورد الحسين البكار السباعي، محام بهيئة أكادير، أن “المادة الـ32 من اتفاقية حقوق الطفل، التي صادق عليها المغرب سنة 1993، تقر بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو يمثل إعاقة لتعليمه، أو أن يكون ضاراً بصحته أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي”، مضيفا أن “هذه الاتفاقية تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية اللازمة لضمان تنفيذ مقتضيات المادة سالفة الذكر، بما في ذلك وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه وفرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة”.
وسجل أن السباعي، ضمن حديث لـ هسبريس، أن “جل الاتفاقيات الدولية المعنية بتشغيل الأطفال ركزت على تحديد السن الأدنى للعمل، الذي حددته منظمة العمل الدولية في الاتفاقية رقم 138 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى لسن تشغيل الأحداث في 15 سنة، وحماية الأطفال من الأعمال الخطيرة، وتحديد ساعات العمل، مع الإلزام بإجراء الفحص الطبي لمعرفة مدى أهلية الطفل لأداء العمل المطلوب منه”.
وتابع المحامي ذاته بأن “المشرع المغربي سمح بتشغيل الأطفال، على أن يبلغوا من العمر 15 سنة، وذلك وفقا للمادة 143 من مدونة الشغل، حيث تم تحديد هذا السن انسجاما مع اتفاقية منظمة العمل الدولية التي صادق عليها المغرب بتاريخ 6 يناير 2000″، مشيرا إلى أن “القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين حدد سن التشغيل في سن 18 سنة، وفقا للمادة 23 من القانون ذاته، بعدما أن كانت محددة في سن الـ16”.
وزاد المتحدث شارحا: “في ما يخص الواقع العملي لتشغيل الأطفال فقد صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط إحصائيات حول هذا الموضوع، تفيد بوجود حوالي 110 آلاف طفل عامل خلال السنة الماضية، بعد أن وصل هذا الرقم إلى 148 ألفا سنة 2021 و127 ألفا سنة 2022″، مسجلا أن “وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات كان أفاد خلال مشاركته في جلسة نقاش حول منع تشغيل الأطفال في إطار الدورة 112 لمؤتمر العمل الدولي إلى أن المغرب تمكن خلال 20 سنة الأخيرة من تقليص أعداد الأطفال في سوق الشغل بنسبة 94 في المائة، غير أن المندوبية صرحت بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال لهذه السنة بأن 69 ألف طفل يمارسون أعمالا خطيرة بالمغرب”.
إلى ذلك أكد المتحدث ذاته أن “تشغيل الأطفال خارج الضوابط القانونية هو إشكال تجب معالجته في إطار مقاربة شاملة لا تقتصر فقط على المقاربة القانونية التي تبقى على أهميتها غير كافية للحد من هذه الظاهرة المجتمعية، التي تتطلب أولا وقبل كل شيء معالجة أسبابها، أي معالجتها بحلول اقتصادية واجتماعية وثقافية تراعي المصلحة الفضلى للطفل التي تعد من المبادئ الأساسية التي جاءت بها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.
The post العطلة الصيفية تفضح انتشار ظاهرة تشغيل القاصرين في المجتمع المغربي appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.