تساءل مصطفى السحيمي، أستاذ جامعي متخصص في العلوم السياسية، بشكل استنكاري: “هل لا يزال من يتتبع بطريقة فاحصة ومواظبة التدخلات البرلمانية باستثناء حين تحدث مشادّة؟”، ثم أردف قائلا: “القول العمومي والحكومي لا يُسمَع، ولا يزال في عيون المواطنين غير منتفع بالإصلاح الذي حدث (…) رغم تقدمات دستور 2011″، بحسب تعبيره، ومكتسباتِه بالنسبة للبرلمان والحكومة.
جاء هذا في العرض التمهيدي للسحيمي خلال يوم دراسي بعنوان “25 سنة من الإصلاحات والأوراش القانونية والسياسية والمؤسساتية والاجتماعية في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس”، تخلّلته 17 مداخلة، استقبله أحد فنادق العاصمة الرباط، الخميس، من تنظبم المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية “ريمالد”، بتعاون مع “مؤسسة هانس-سايدل”، وحضره الرئيسَان الحالي والسابق للمحكمة الدستورية، وأعضاء فيها، ورئيس المحكمة الإدارية، ورئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري، وقضاة ومحامون وجامعيّون وباحثون.
وذكر المحلل السياسي أن التحرك المجتمعي، والفورة الرقمية، يظهران اهتمام الجمهور بالسياسة، وتتبعه وأنّه “مُخبَر”، مما يعكس “دينامية مجتمعية، ينبغي أن تكون مكتسبا للتحرك المواطن”.
وفي محطة أخرى من كلمته التمهيدية، ذكر السحيمي أن “دستور سنة 2011” هو “الأكثر تقدما في القارة الإفريقية والعالم العربي والمغاربي”، لكن “يبقى التطبيق” بشأن نصوص ومؤسسات، وتطرق إلى “توسيع مجال الحقوق والحريات” في عهد الملك محمد السادس، حيث ارتفع عدد الأحزاب إلى 34 حزبا “لكن هذا الاتساع في العرض الحزبي لم يُمَكّن مع ذلك من تعبئة المواطنين”، والإحصاءات تقول إن “الواجب المدني، لا يهتم به العديد من المواطنين”.
ثم أردف قائلا: “لم ننجح بعد في إصلاحِ السياسيِّ في نظر المواطن، بمعنى الحزب والعمل السياسي الحزبي والفاعل الحزبي”، قبل أن يستدرك قائلا: “ليست هذه مسؤولية ملكية، بل مسؤولية الأحزاب السياسية”، واستحضر “العرض البرامجي الحزبي الذي ينبغي أن يكون جاذبا للمواطنين، بينما نجد الأحزاب قد خفّضت عرضها الحزبي إلى الحد الأدنى، وتتحرك مثل نواد انتخابية في الفترة الانتخابية (…) ولا يوجد شيء كبير للقراءة في مواقعها الرسمية، وتعمّم إعلانات تقليدية بعد اجتماعات مكاتبها، دون عرض سياسي وإيديولوجيّ يُعبّئ”.
وفي حديثه عن 25 سنة من حكم الملك محمد السادس، قال المتدخل إن الملك “بعد الصعود إلى العرش (…) كانت له أفكار حول أمور عديدة، وكانت قناعاته الديمقراطية قوية جدا، بعد السنوات الصعبة في العقود التي سبقته (…) وهذه إرادة ملكية للدّمقرطة عبّر عنها منذ سنة 1999″، وهو ما تزامن مع نهاية “مغرب الحسن الثاني، وانتظار الملك الجديد، والتغيير”.
وفي حين أعطى الملك الحسن الثاني “الأولوية للمغرب، وروابط المغرب، دون أن يعني هذا أن أمورا لم تتم”، كانت أولوية الملك محمد السادس، حسب المحلل ذاته، “تثمين المغرب دوليا، والمغاربة، وكيف يعيشون”.
وقسّم السحيمي فترة حكم الملك محمد السادس في السنوات 25 الفارطة إلى فترة أولى بين سنة 1999 وسنة 2011، هي سنوات “الملكية التنفيذية”، كان فيها الملك “فاعل التحريك والتوعية، والقرار والمتابعة”، جرت فيها “إجراءات مهمة مجاليا، ولإعادة التأهيل ليتملّك المغاربة (أو يقفوا وجها لوجه من أجل التقبّل) تاريخهم بشكل من الأشكال”، وهي سنوات كان فيها “الحكم مستقرا، رغم التحديات مثل الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء سنةَ 2003”.
المرحلة الثانية هي التي نتج عنها دستور 29 يوليوز 2011، “عقب الربيع العربي وامتداده للمغرب في حراك [20 فبراير] (…) وبذكاء وشجاعة، أخذ الملك المطالب المعبَّر عنها في العديد من الاحتجاجات ليس فقط بالرباط بل في مناطق أخرى، وألقى خطاب 20 مارس (…) ونصُّه مؤسس لمغرب آخر”.
ومن بين مكتسبات المرحلة الثانية، وفق المتحدث، “دسترة الملكية، وهذا مهم جدا (…) وإعطاء صلاحيات كبيرة للبرلمان، وتحديد المجلس الوزاري والمجلس الحكومي، والسياسة الجهوية، حيث اعتبرت الجهة لأول مرة جماعة ترابية (…) وتقديم ضمانات للعدالة، مع العلم أن التحرك المجتمعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي يندد بالحالات التي تعرف أعطالا”.
وتابع متحدثا عن “إصلاح القانون الجنائي، الملفِّ الكبير الذي لم نصِل تحقيقَه بعد (…) ويحتاج تحكيما، في مجالات العيش المشترك، وحياة المواطنين، ومشاكل تزويج القاصرات، وتعدد الزوجات، كما أن هناك أمورا خارج الزواج علينا الحديث عنها، ومشكل الإجهاض الذي علينا مواجهته وألا نقتصر فيه على المواقف (…) كما أن مدونة الأسرة بعد عشرين سنة من خروجها في وضع صعب أظهرت أعطالا، وقد تحدث الملك عن إصلاحين كبيرَين في سنة 2022، هما تغيير مدونة الأسرة وإشراك مغاربة العالم في الحياة السياسية المغربية”.
وتطرّق السحيمي إلى وضع مغاربة العالم في السياسة الوطنية؛ “لأن وضعهم أَقَلَّويٌّ رغم أنهم يقاربون ستة ملايين (…) وتوجد مقاومات لتمثيلهم السياسي بالبرلمان بسبب صعوبات تقنية بالنسبة لوزارة الداخلية، ومقاومة الأحزاب السياسية، التي تكتري مواطنَة مغاربة العالم وارتباطهم بالمغرب وقضاياه، ولا تقوم بأي شيء لتغيير نظامها التنفيذي لتجعل لهم مكانا كنواب؛ لأنها لا تتأكّد من نجاح البرلمانيين من مغاربة العالم، وتريد أن تحافظ على الوضع القائم، واستمرار [عملية مرحبا] (الاستقبال السنوي الرسمي للمغاربة العائدين لأرض الوطن في فصل الصيف) دون إدماجهم الفعلي”.
ومن بين ما تطرق إليه السحيمي، توازنات “هيئة الإنصاف والمصالحة”، و”المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، “المهمة جدا، كمبادرة منذ عقدين، وخاصة التحرك في المجال القروي، وخلق فرص شغل، ومردود، وإصلاحات”، ثم “الملف الكبير للحماية الاجتماعية” الذي أعلنه الملك في سنة 2020 واعتمد في سنة 2021، وزيادة التعويضات العائلية، ودعم الأرامل، قبل أن يختم بالقول: “لكن نبقى منكسرين في رتبة مؤشر التنمية البشرية، فلا يزال هناك عمل ليتمّ”، علما أن الناتج الداخلي الخام المغربي قد تضاعف في ربع القرن الأخير “ثلاث مرات (…) فهناك تطور وتنمية إذن”.
وتحدث المتخصص في العلوم السياسية عن جعل المغرب “شريكا كبيرا للولايات المتحدة من غير دول حلف الناتو”، واتفاقياته مع “الاتحاد الأوروبي”، و”سياسة اليد الممدودة (…) قبل خلاصة ألا شيء يعمله مع البلد الجار، لتجعلَه الدبلوماسية المغربية في مقام اللامفكر فيه، المؤرشَف، بخلاصة أنه لا شيء يمكن القيام به مع هذا النظام”.
وعدّد السحيمي تحركات المغرب في اتجاهات روسيا، والصين، والهند، وزيارة الملك خمسَ دول بأمريكا الجنوبية مع “اهتمام كبير”، ثم استرسل متحدثا عن “محمد السادس الإفريقي”، قائلا: “زرتُ مع الملك 5 دول إفريقية، في جولته، والأفارقة يحسون بالمودة الملكية (…) حيث كان يذهب للأحياء الشعبية، ويزور الفنانين (…) في أكثر من 40 زيارة بالقارة الإفريقية، لـ 29 بلدا (…) مع دبلوماسية إنسانية؛ (…) مثل تقنين وضع المهاجرين من دول إفريقية، في كل مناحي العيش، باستثناء الانتخاب”.
وحول مكتسبات قضية الصحراء المغربية، ذكر مصطفى السحيمي أن موقف المغرب قد تقوّى في السنوات الخمسِ والعشرين الأخيرة في مجلس الأمن، ومع القوى الكبرى للكوكب، بمرجع الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة؛ فـ”المغرب في وضع قانوني”، في حين إن “الحركة الانفصالية قد اختارت عدم الالتزام بوقف إطلاق النار فضلا عن الخروج من سيرورة النقاش الأممي، مع بلد جار أخرجَ نفسه من السيرورة التي رافقها لزمن”.
وختم المتدخل حديثه بالتشديد على أن “المكتسب الأكبر هو الاعتراف الأمريكي، وفي نظري هو المنجز الدبلوماسي الأكبر منذ المسيرة الخضراء سنة 1975″، رغم “تحديات بعد ذلك مع فرنسا، عولجت، وكانت مشكلة مع إسبانيا، ثم ألمانيا ومواقف عديدة عدائية (…) لكن الحزم جاء بنتائج، وبالتالي الحاكم قام بالاختيار السليم باختيار سياسة الحزم”.
The post السحيمي: لا أحد يهتم بتدخلات الوزراء.. والفورة الرقمية تقرب الجمهور من السياسة appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.