تمتد زراعة التين الشوكي على طول الطريق الزراعية المؤدية إلى منطقة الشبيكة في وسط تونس؛ لكنها فقدت اخضرارها وغطتها طبقة لزجة تشبه الصوف الأبيض بسبب انتشار مرض “الحشرة القرمزية”، التي اكتسحت الدول المغاربية وتهدد بانهيار قطاع زراعي حيوي.
وهي عبارة عن طفيليات تلتصق بألواح شجرة الصبّار وتمتص عصارتها، ما يتسبب في تلفها بالكامل بينما لا تشكل خطرا على الإنسان والحيوان.
ويمثل التين الشوكي مصدرا مهمّا للفاكهة، وتستخلص منه زيوت طبيعية ومستحضرات تجميل تشكل مصدر رزق لآلاف العائلات في هذه الدول.
وتلفَت ما بين 40 و50 في المائة من المساحات الإجمالية المزروعة تينا شوكيا في تونس، ولم تتضرر بعد المساحات المهيكلة المخصصة للتصدير، وتُبذل جهود حثيثة لحماية هذه الأجزاء الي تمثل ثروة ومورد رزق أساسيا للمتساكنين، حيث يصل ثمن اللتر الواحد من الزيت الطبيعي المستخلص من النبتة الى أربعة آلاف يورو، حسب السلطات التونسية.
لم يعد لعمر نويرة، المزارع الخمسيني في منطقة الشبيكة في وسط تونس، بصيص أمل في إنقاذ التين الشوكي الذي زرعه على مساحة تقدر بنصف هكتار. وكان يطمح إلى تصدير منتوجه بعدما أصبح قطاع تثمين هذه النبتة واستغلالها يلقى إقبالا متزايدا من الأسواق الخارجية.
تحوّل حقله بالكامل إلى نباتات جافة بعدما طالها الضرر من كل جانب، وقال نويرة: “أردت في البداية أن أجعلها مرحلة تجريبية لإنتاج ثمرة “سلطان الغلة” (التسمية المحلية في تونس)، وأطوّر تدريجيا الاستثمارات وأبحث عن عملاء خارج البلاد، خصوصا لزيوتها الطبيعية”.
وأضاف المزارع الخمسيني: “لكنّ المرض وصل وأصبح سلطان الغلّة عليلا ولا يوجد دواء، وتركتُ فكرة الاستثمار”.
“أمن قومي”
تنشط 40 شركة لإنتاج فاكهة التين الشوكي البيولوجي المعد للتصدير، وتستغل نحو 150 ألف عائلة هذه الزراعة كمصدر رزق في البلاد التي تصنف كثاني أكبر منتج لهذه الفاكهة في العالم بـ550 ألف طن سنويا، كما تستثمر 40 شركة في عمليات تحويله وتصديره.
يفضل المزارعون غرس التين الشوكي؛ لأنه يقاوم الجفاف، ويساهم في ترسيم ملكية الحقول وحماية التربة من التآكل.
وخلال السنوات الأخيرة، تحوّلت منتوجات هذه الفاكهة إلى قطاع زراعي واعد اتسعت زراعته على مساحة 600 ألف هكتار؛ منها نحو 150 ألف هكتار مخصصة للاستثمار والتصدير.
أمّا في المغرب، وهو أول الدول المتضررة في منطقة المغرب العربي منذ العام 2014، فيُزرع التين الشوكي على إجمالي 160 ألف هكتار.
ونفذت وزارة الفلاحة المغربية “خطة طوارئ” في العام 2016 لمكافحة الحشرة، بالاعتماد على المعالجات الكيميائية واقتلاع نباتات الصبار المصابة ودفنها وإجراء الأبحاث البيولوجية لاختيار الأصناف المقاومة القادرة على الصمود أمام هذا المرض وتحييده.
وفي غشت 2022، قدرت السلطات الزراعية في المغرب المساحات التي تلفَت بنحو 120 ألف هكتار.
وظهرت الحشرة في الجزائر خلال العام 2021 بمدينة تلمسان، وبادرت السلطات الزراعية آنذاك إلى حجر المناطق المتضررة وأمرت باقتلاع كل النباتات المصابة.
وتنتشر زراعة التين الشوكي في الجزائر على نحو 60 ألف هكتار، وهي ثمرة يعشقها الجزائريون حتى أن هناك مهرجانا مخصصا لها في منطقة القبائل.
وفي ليبيا، ينمو الصبّار بشكل طبيعي في شمال البلاد وفي المناطق الزراعية حيث يتم اعتماده لترسيم حدود الحقول بتسييجها. وتستورد الثمرة بشكل حصري من تونس.
وأوضح إبراهيم الشرميطي، الباحث في علم الحشرات، أن مناخ المنطقة الجاف ساعدها على الانتشار بسرعة كبيرة، إذ تكيفت مع التغير المناخي الذي يتميز “بتزايد الجفاف وارتفاع درجات الحرارة”.
وتواترت سنوات من الجفاف الحاد في المنطقة المغاربية، بتراجع نسب تساقطات الأمطار وتسجيل درجات قياسية من الحرارة.
وسجل الشرميطي أن سبب انتشارها هو “غياب مراقبة شديدة وصارمة لنقاط عبور المسافرين عبر الحدودية”.
لا يستبعد الباحث في علم الحشرات اكتساح الحشرة كل المزارع في تونس؛ بما فيها تلك المعدة للتصدير والاستثمار.
وأوضح: “عاجلا أم آجلا ستصل بسرعة، من خلال عامل الرياح”، معتبرا أن القضاء عليها مسألة “أمن قومي”.
الدعسوقة
أعرب إبراهيم الشرميطي عن اعتقاده أن “القضاء على الحشرة القرمزية مستحيل؛ ولكن يمكن التعايش معها عبر جلب حشرة الدعسوقة والتي تفترس القرمزية ولا تؤثر على النظام البيئي”.
وتسير تونس على خطى المغرب.
وأقر رابح الحجلاوي، المكلف بالإدارة العامة للصحة النباتية بوزارة الزراعة التونسية، بأن سبب الانتشار السريع “بطء الإجراءات الإدارية” للتصدي لها.
وسعت السلطات الزراعية التونسية إلى كبح الآفة، في البداية، من خلال اقتلاعها النبتات التالفة وردمها وحرقها؛ لكنّ التدخل لم ينجح واكتسحت الحشرة عشر محافظات.
لذلك، تم الانتقال إلى “المقاومة البيولوجية بالاعتماد أولا على الإكثار من أصناف الصبّار المقاوِمة للحشرة ثم جلب حشرة الدعسوقة”، حسب الحجلاوي.
وطوّر المغرب بدوره زراعة ثمانية أصناف من الصبار المقاوم للقرمزية في العام 2022، وشرع في جلب وادخال حشرة الدعسوقة، وخصص 417 ألف دولار لمساعدة المزارعين.
وسلمت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، في يونيو، نحو 100 دعسوقة إلى تونس في إطار برنامج تعاون لمكافحة الآفة بقيمة 550 ألف دولار.
وتُستعمل الدفيئات في المغرب للإكثار من “مسعودة” (الدعسوقة)؛ لأنها “تحتاج إلى الغذاء، وإذا اختفت الحشرة القرمزية فلن تجد ما تتغذى عليه لذلك نلجأ إلى تربيتها”، وفقا لعيسى الدرهم، رئيس منظمة “مؤسسة دار سي حماد”.
وتبقى مخاوف السلطات الزراعية التونسية قائمة، وخصوصا إذا طالت الحشرة مزارع المناطق الداخلية المهمشة؛ على غرار محافظة القصرين، والتي يمثل التين الشوكي مصدر الرزق الوحيد فيها تقريبا، ما قد يؤدي إلى احتجاجات اجتماعية.
The post الحشرة القرمزية تغزو الدول المغاربية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.