انتشرت في الآونة الأخيرة مجموعة من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لعملية التنقيب عن المياه والكشف عن الآبار في العديد من المناطق المغربية بطرق تقليدية، أهمها طريقة “العصا” التي تصنع من أغصان أشجار مميزة على شكل حرف (Y)، يحملها المنقب، أو “مافمان” أو “بوتغروشت” كما يسمى في اللغة الأمازيغية، بين يديه في شكل متواز مع سطح الكرة الأرضية قبل أن تبدأ في بالارتجاج عندما يصل إلى بقعة جغرافية يقول إن في أعماقها ماء.
ومن المعروف أن المغاربة استعانوا قديما بخدمات هؤلاء المنقبين عن الماء الذي كان محددا أساسيا وحاسما في استقرار الجماعات البشرية عبر التاريخ في منطقة دون أخرى، إذ يؤكد كثيرون فعالية هذه الأساليب الكلاسيكية ودقتها في الكشف عما يختزنه باطن الأرض، غير أن “قدرة” بعضهم على التنبؤ بعمق المياه وكميتها، دفع بعضهم الآخر إلى التشكيك في ذلك، معتبرين إياه “كذبا وبهتانا” أمام التقدم العلمي والتكنولوجي الذي أفرز تقنيات حديثة أكثر دقة ومصداقية.
ولمعرفة المزيد حول أسرار هذه التقنيات ومدى فعاليتها، اتصلت هسبريس بحفيظ بوخلوف (48 سنة)، من المنقبين عن المياه بالطرق التقليدية بنواحي كرسيف، الذي قال إن “الطريقة التي أعتمدها في التنقيب عن المياه والكشف عن الآبار هي استعمال أسياخ نحاسية أو أغصان شجر الرمان للاستدلال على مكان الماء”، مؤكدا أن “هذه الطريقة مضمونة مائة في المائة ولا تنطوي على أي نصب أو احتيال على الزبائن الذين يشهدون هم أنفسهم بنجاعتها”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول سر اكتسابه لهذه “الملكة”، قال بوخلوف إن “الأمر مرتبط بالبركة والقدرات والموهبة الربانية التي منحني إياها الله تعالى وتعلمتها من أحد الشرفاء، فأنا أزاول هذه المهنة منذ خمس سنوات تقريبا”، مسجلا أن “سعر الخدمة التي نقدمها يخضع للتفاوض مع الزبون، كما نقف على أشغال الحفر إلى غاية استخراج المياه”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “هذه الطريقة التقليدية تكون في كثير من الأحيان أسرع وأنجع من الطرق الحديثة التي يستعملها المهندسون”.
تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال رياض أوحتيتا، خبير فلاحي، إن “هناك مجموعة من التقنيات التقليدية للتنقيب عن الماء التي تعتمد على مبدأ الجاذبية، على غرار استعمال قضيبين من النحاس يحملها المنقب بين يديه ويبدأ في مسح المنطقة المراد فحصها حيث يميلان إلى الأسفل ويبدآن بالدوران في يد حاملهما عند الوصول إلى مناطق المياه، وهناك أيضا طريقة البيضة التي توضع فوق راحة اليد في شكل أفقي قبل أن تتحول إلى وضع عمودي إذا ما وصلت إلى هذه المناطق”.
وأكد أوحتيتا، ضمن تصريح لـجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “العامل المحدد لعمل هذه التقنيات هو قوة الجاذبية، وبالتالي فهي تستند في شق منها إلى مبادئ علمية، غير أن قدرة المنقب على تحديد عمق المياه بدقة وكميتها تبقى مسألة نسبية خاضعة للتقدير وليست دقيقة في غالب الأحيان”، مسجلا أن “الطرق الأكثر نجاعة للكشف عن الآبار والمياه الباطنية هي الطرق العلمية الحديثة الدقيقة”.
وأوضح الخبير الفلاحي ذاته أن “الطرق التقليدية سبق أن استعملها أجدادنا في التنقيب عن المياه وقد أثبتت بالفعل فعاليتها في العديد من المناسبات، غير أنه في الوقت الحالي وفي ظل الجفاف وقلة التساقطات وتراجع مخزون المياه الجوفية، تناقصت نجاعة وفعالية هذه التقنيات الكلاسيكية وباتت نسبة نجاحها في الكشف عن الماء الباطني ضئيلة جدا”.
The post التنقيب عن الماء بالطرق التقليدية .. “الموهبة” تتضاءل أمام نجاعة التكنولوجيا appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.