يثير موضوع السماح المفرط بالتدخين داخل مقاهي المغرب جدلا واسعا باعتباره يخلفُ عادة انتقاداتٍ ودعاوى مستمرة من أجل حماية الشرائح المجتمعية التي لا نية لها في التعرض لدخان السجائر الكلاسيكية والإلكترونية كذلك داخل الفضاءات المذكورة، في وقت تدفع هذه الشرائح بضرورة إيجاد أماكن خاصة بها.
وتلجأ بعض المقاهي بالمملكة إلى توفير فضاءات خاصة بغير المدخنين، تمكنهم من الاستهلاك في ظروف نوعا ما حسنة، في حين أن نسبة أخرى من المقاهي لا تبدي أي تحركات واقعية بخصوص الموضوع، حيث يكون الفضاء بكامله في حوزة المدخنين، بما يحيل على محورين هاميْن؛ “عمومية الفضاء من عدمها” و”مسؤولية الدولة في حفظ الصحة”.
ويمنع القانون رقم 15.91، الصادر سنة 1995، التدخينَ ببعض الأماكن العمومية، إذ تورد المادة الرابعة منه أنه “يُعتبر مكانا عموميا كل مكان معد للاستعمال الجماعي، وكل مرفق عمومي، وكذا المؤسسات العامة والمكاتب الإدارية”، ذاكرا بذلك “الإدارات العمومية ووسائل النقل العمومي وقاعات المسارح والسهرات والمستشفيات…”، بما يطرح دائما إشكالية ما إن كان يحيل بطريقة غير مباشرة على المقاهي أم لا، إذ يتشبث بعض أرباب المقاهي بأنهم غير معنيين بهذا القانون، في حين أن خبراء قانونيين يدفعون بـ”عمومية الفضاء في نهاية المطاف”.
حماية المستهلك
نور الدين حمانو، رئيس الجمعية المغربية لحماية المستهلك والدفاع عن حقوقه، قال بخصوص هذا الموضوع إن “القانون المؤطر يمنع التدخين في الأماكن العمومية، التي يرجح أن تكون المقاهي من بينها؛ فندرة الأماكن المخصصة داخلها لغير المدخنين تؤكد ضرورة تقديم شكايات في هذا الصدد من أجل تدخل للسلطات المختصة”.
وأضاف حمانو، مصرحا لهسبريس، أنه “من المفروض توفير الراحة للزبون الذي يبقى في نهاية المطاف مستهلكا يجب أن يمارس عملية الاستهلاك في ظروف ملائمة؛ فكما هو معلوم إلى حدود الساعة بالمغرب ليست لدينا مقاه أو فضاءات خاصة فقط بالتدخين كما هو معمول في دول أخرى”، موردا أن جزءا من الإشكالية في هذا الصدد هو أن “أرباب المقاهي يبدون نوعا من عدم إعارة الاهتمام لغير المدخنين، مقابل السعي نحو اعتبار المدخنين الحلقة الكبرى في مسلسل الربح”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “استمرار التدخين المكثف لا يوفر الجو الملائم لفائدة غير المدخنين من أجل التواجد داخل المقاهي، بما يشكل حاجزا أمام ولوجهم؛ فيما المدخل لحل هذه الإشكالية في البدء يرتبط بتكثيف المراقبة ومعرفة المواطنين حقوقهم وواجباتهم في ارتياد هذه الفضاءات”.
مساواة محبطة
بعدما رأينا جزءا من آراء حماة المستهلك حول الموضوع كان لابد من ربط جسر التواصل مع أرباب المقاهي، فأكد إبراهيم ادبرايم، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب، أن “الواقع حاليا يقول إن هناك مقاه توفر الفضاءات الخاصة بغير المدخنين، في حين أن الغالبية صراحة ليست لديها هذه الفضاءات؛ بينما نلمس توجه المقاهي الجديدة نحو اعتماد هذه الخاصية”.
ادبرايم أضاف، في تصريح لهسبريس، أنه “لا يمكن تقسيم المقهى إلى فضاءين متساويين من أجل فتح الفرصة أمام غير المدخنين، إذ إن هذه العملية ستجعلنا أمام الاعتماد على هذه الفئة، بما لا يحقق المردودية المرجوة لفائدة المقهى، ويمكن أن يدفع مدخنين إلى هجرة الفضاء”، موردا أن “الفضاءات الخارجية (لاَطِرَاسْ) تبقى مفتوحة للجميع، حيث لا يضر التدخين على مستواها بغير المدخنين”.
وعاد المتحدث ليشير إلى أن “تقليص نسبة استهلاك السجائر بالمقهى يعني بشكل مباشر التأثير سلبا على الدورة الاقتصادية للفضاء، في وقت نرى أن القانون الخاص بمنع التدخين في الأماكن العمومية غير واضح، ولا يعنينا، لأن المقهى يبقى مكانا خاصا يسيره خواص، وهو النقاش الذي سبق أن أُثير في مرحلة تطبيق وضع الكمامة في الأماكن ذات الصبغة العمومية”.
كما أورد المهني ذاته أن “الموضوع معقد ومتشعب، لأننا بأي شكل من الأشكال سنجد طرفا أو طرفين متضرريْن، إما أن يتضرر صاحب المقهي أو المدخن أو غير المدخن”، وزاد: “أرى أن اقتسام المقهى غير ناجع لأنه سيكون هناك تأثير لمنطقة المدخنين على المنطقة الأخرى، بما يحتم على غير المدخن في الفترة الحالية البحث عن الزوايا التي لا يصلها الدخان بشكل كبيرا”، مُذكّرا في نهاية تصريحه بوجود فئات مجتمعية تحتاج إلى التدخين داخل المقهى، خصوصا النساء.
عمومية الفضاء
من أجل إزالة اللبس عن هذا الموضوع وإيجاد بعض التفسيرات القانونية طرحنا بعض الأسئلة على محمد ألمو، محام بهيئة الرباط، خبير قانوني، فأوضح أن “المقهى في نهاية المطاف مكان عمومي، بما يجب أن يدفع السلطات العمومية إلى إلزام أرباب المقاهي، في إطار توفير الخدمات لجميع المواطنين، باتخاذ إجراءات في هذا الصدد، في سياق حفظ الصحة الذي يبقى من اختصاصات السلطة الإدارية”.
وأكد ألمو، في تصريح لهسبريس، أن “المقهى لا يمكن اعتباره أبدا مكانا خاصا، بل هو مكان عمومي”، وزاد: “بالنسبة لموضوع التدخين هناك أفراد غير مدخنين من المفروض أن يجدوا فضاءات خاصة بهم ليس فيها استهلاك للتبغ، وهو محور يجب أن يتم النضال بخصوصه وبكثافة”.
المحامي بهيئة الرباط لفت إلى أن “ما يتضح في هذا الإطار أن أرباب المقاهي ينظرون إلى المسألة من زاوية اقتصادية صرفة، وليس من زاوية تقديم خدمة عمومية لكافة المواطنين بدون إقصاء، إذ يرون أنه ليس في صالحهم توفير مكان خاص بالمواطنين غير المدخنين”، متابعا: “المدخل الرئيسي في ما يخص هذه المسألة هو أن الأشخاص لديهم الحق تجاه الدولة والجماعات تحديدا بخصوص تطبيق القانون الذي يمنع التدخين بالأماكن العمومية، أو تخصيص أماكن لغير المدخنين، وهو ما تشرف عليه في الأساس الشرطة الإدارية”.
The post التدخين يكتسح المقاهي في المغرب .. ومهنيون: “اقتسام المكان” غير ممكن appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.