صاحب رؤية وإنساني؟ متحيز ضد النساء ورجعي؟ كل هذا في آنٍ واحد؟ لا تزال شخصية بيار دو كوبرتان، مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة، تثير الجدل، مع إدخال تمثاله الشمعي إلى متحف غريفين في باريس في يونيو 2024.
تأسفت ديان دو نافاسيل، الحفيدة الكبرى للبارون بيار (أحد ألقاب النبلاء)، في مقابلة مع وكالة فرانس برس قائلة: “لم يقدم أولمبياد باريس 2024 الكثير لبيار دو كوبرتان، لا لتعزيز مكانته ولا لتعريف الناس به”.
يحصل ذلك لسببٍ وجيه! بالمرور على بعض قيم القرن الحادي والعشرين، تكفي بعض العبارات التي قالها دو كوبرتان لتشويه سمعة هذا الأرستقراطي المولود عام 1863 والذي كان مشبعا بقيم زمنه وبيئته.
في ما يتعلق بالنساء اللواتي لم يكن يرغب في رؤيتهن في الملاعب، كتب كوبرتان في عام 1922 هذه العبارة “أولمبياد صغير للسيدات بجانب الأولمبياد الكبير للرجال. أين سيكون الاهتمام؟ (…) غير مثير للاهتمام، غير جمالي، ولا نخشى أن نضيف: غير صحيح، هذا ما سيكون عليه هذا الأولمبياد نصف النسائي”.
هل هذا غير مقبول؟ ليس في زمنه، أكدت حفيدته التي ذكرت أنه “في عام 1920، لم يكن للنساء حق التصويت، وكن خاضعات لأزواجهن، ولم تكن لديهن أية استقلالية مالية، وكن مضطرات إلى ارتداء الفساتين والمشدات، وكان الأطباء يؤكدون أن الرياضة قد تمنعهن من الإنجاب. قبولهن في الألعاب لم يكن أمرا بديهيا”.
دعوة من هتلر
في سياق آخر، نكشف اليوم عن تعليقاته المؤيدة للاستعمار وجملة عن “الأعراق الأدنى”.
ولكن ما انتقده الناس فيه أكثر بعد وفاته هو إعجابه الكبير بتنظيم الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 من قبل النظام النازي “كيف تريدونني أن أتبرأ من هذا الاحتفال؟” كتب في الصحافة في ذلك الوقت، عندما كان في الثالثة والسبعين من عمره.
أقرت السيدة دو نافاسيل قائلة: “ما أثار حماسه هو رؤية بلد يستخدم وسائل استثنائية لاستضافة الألعاب الأولمبية لأول مرة، وبناء أكبر ملعب لألعاب القوى في ذلك الوقت. هذا ما يراه تتويج لعمل حياته. لذا نعم، كان سعيدا ومندهشا بذلك”.
كان الرايخ يحاول استمالته بتنظيم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام؛ لكن من دون جدوى. اقترح هتلر حتى إرسال قطار خاص له لإعادته من جنيف، حيث كان يقيم، إلى برلين. أمر رفضه دو كوبرتان.
توفي بعد عامٍ من أولمبياد برلين، “في وقت مبكر جدا ليكون جزءا من الخزي، ولكن متأخرا جدا ليعفى من التواطؤ الشديد”، لخص كاتب سيرته دانيال بيرمون.
كتب المؤرخ الرياضي باتريك كلاستر: “بالطبع، يجب وضعه في سياق تاريخي؛ لكن حتى في زمنه، لم يكن سابقا لعصره، ولم يكن تقدميا أبدا، وفي بعض المواضيع كان رجعيا، أو على الأقل محافظا”.
وصية مدهشة
في سن صغيرة، أطلق حملة رياضية في المدارس، مستندا إلى نموذجٍ التفت إليه في إنجلترا؛ لكن في فرنسا، حيث كانت النشاطات البدنية محتقرة إلى حد كبير من قبل الطبقة الفكرية، فشل في تحقيق أهدافه.
عندها تصور فكرة عرض إعادة إحياء الألعاب الأولمبية القديمة في اليونان التي كانت قد ألغيت في نهاية القرن الرابع بعد الميلاد.
وفي 23 أكتوبر 1894، في جامعة السوربون، وضع الأسس لعمل حياته: اعتمد مبدأ إحياء الألعاب في 1896 في أثينا بإدخال الرياضات الحديثة. والأهم هو أنه اقترح نقل الألعاب من بلد إلى آخر، خلافا لرغبة اليونانيين الذين كانوا يأملون في استضافة الأولمبياد إلى الأبد.
ربط الألعاب بالحركة الدولية من أجل السلام، ووضع القيم الأولمبية الشهيرة؛ مثل احترام المنافس، والولاء، والعالمية، المستمدة جزئيا من قيم الأرستقراطية في زمنه.
أصبح رئيسا للجنة الأولمبية الدولية، ونظم أولمبياد باريس الأول عام 1900 والذي مر من دون أن يلفت الانتباه. غاضبا من ذلك، ناضل دو كوبرتان لعشرين عاما لإعادة الألعاب إلى مدينته في عام 1924. بعد ذلك، تقاعد؛ ما أثار ارتياح اللجنة الأولمبية الدولية التي كانت قد ضاقت ذرعا بأساليبه الاستبدادية.
عند وفاته، ترك هذا الشخص المتناقض وصية مدهشة: طلب أن يدفن جسده في لوزان، ولكن أن ينقل قلبه إلى أولمبيا في موقع الألعاب القديمة.
ما زال قلبه هناك، موضوعا في نصب تذكاري حيث يمكن لعشاق الألعاب الأولمبية أن يأتوا لتكريم أبي الألعاب الأولمبية الحديثة المثير للجدل.
The post “الأب الجدلي” للألعاب الأولمبية الحديثة يثير التساؤلات appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.