أثارت الأرقام الأخيرة التي أفرج عنها بنك المغرب حول نسبة الاستبناك بالمملكة، الكثير من التساؤلات حول وجود “مفارقة واضحة”، باستحضار ارتفاع نسب التضخم موازاة مع ارتفاع نسب المغاربة المتوفرين على حسابات بنكية مفعلة، إذ كان من المرتقب أن يتراجع التداول المادي للنقود موازاة مع ارتفاع نسب المُستبنكين.
وقال بنك المغرب خلال الأسبوع الماضي إنه جرى فتح ما يصل إلى 3,3 ملايين حسابا بنكيا جديدا خلال سنة 2023، بزيادة قدرها 8,6 في المائة عن سنة 2022، مبرزا أن عدد الأشخاص الذي فتحوا حسابهم لأول مرة ما يصل إلى 874 ألفا و947 شخصا ذاتيا، من بينهم 45 في المائة من النساء.
ورصد البنك المركزي ضمن حساباته الخاصة بسنة 2023 أن إجمالي الحسابات البنكية المفتوحة بنهاية دجنبر الماضي بلغ 36,3 مليون حساب، 23 مليونا منها حسابات جارية و10,9 ملايين على الدفاتر وحوالي 114 ألفا و917 حسابا مُقومة بالعملات الأجنبية، لافتا إلى أن عدد الأشخاص الذاتيين المتوفرين على حساب بنكي مفتوح بلغ 17,4 مليون شخص، 38 في المائة منهم نساء و62 في المائة رجال.
وعادة ما يُطرح عزوف شرائح مجتمعية عن الاستبناك كأحد الأسباب التي تقف وراء استمرار التداول المادي للنقود وتحقيقه مستويات قياسية، في وقت تُطرح كذلك معادلةُ ارتفاع نسبة التضخم موازاة مع ارتفاع نسب الاستبناك كمفارقة لا تساعد في الرفع من نسب الموثوقية في الأداء الرقمي.
في قراءته للأرقام الخاصة بالاستبناك التي كشف عنها بنك المغرب، قال رشيد ساري، محلل اقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، إن “ما يقف وراء الارتفاع النسبي لنسب الاستبناك هو بعض المجهودات التي قام بها بنك المغرب فيما يخص تعريفة الخدمات، إلى جانب اعتماد المقاولات بمختلف أصنافها على الأبناك بغية صرف مستحقات أُجرائها بخلاف ما كان سابقا”.
ساري أكد لهسبريس وجود “وعي مغربي بضرورة الانخراط في الرقمنة واعتماد التقنيات التي توفرها الحسابات البنكية، في وقت نشهد مفارقة تتمثل في ارتفاع نسب الاستبناك وارتفاع معدل تداول النقد (الكاش) الذي وصل إلى 400 مليار درهم خلال السنة الماضية، وهو من بين الأرقام المرتفعة في العالم بشهادة بنك المغرب”.
ولفت المتحدث إلى أن “ما يقف وراء هذه المفارقة هو أن التحويلات البنكية دائما ما لا تكون بسيطة، وتكون هناك تعثرات في الأداء وتصبح معقدة في بعض الأحيان، حيث إن بعض البنوك لا تعتمد على آليات متطورة تسهل على المواطنين أداء الفواتير أو القيام بتحويلات مالية، عكس أبناك أخرى طورت خدماتها وآلياتها”.
كما شدد على “ضرورة معالجة المؤسسات البنكية لمختلف التعثرات الرقمية التي تعيق الأداء الآني بما يمكِّن من تقوية دينامية الاستبناك في الوقت الراهن ويخفِّض من التداول المادي للنقود الذي يكون في بعض الأحيان محيلا على معاملات مالية مشبوهة”.
من جهته، قال ادريس العيساوي، باحث في المجال الاقتصادي، إن “ارتفاع عدد المُستبنكين الجدد أمر مهم ويحاكي تطور الاقتصاد الوطني، لكنه لا يوازي النسب التي يطالب البنك المركزي بها من أجل إيقاف زحف التداول المادي للنقود، خصوصا إذا استحضرنا نسبة الأمية بالمملكة وعدد القاطنين بالعالم القروي الذين لا يقبلون على استخدام هذه الوسائل العصرية بكثافة”.
وذكر العيساوي، مصرحا لهسبريس، أنه “من غير المفاجئ استمرار ارتفاع الكاش على الرغم من ارتفاع نسب المواطنين المستبنكين، إذ إن فئة واسعة ما تزال غير مؤمنة بالجدوى من الوسائل العصرية موازاة مع كون فئات واسعة من المهنيين بدورها ترفض تسلم مستحقاتها بشكل رقمي لدواع جبائية بالأساس”.
وبيّن المتحدث أن “من الصعب جدا التحكم بشكل مباشر وآني في النسب الحالية للتضخم، إذ إن ذلك يقتضي مُددا زمنية موسعة وإجراءات مكثفة من أجل إقناع المواطنين بضرورة القيام بالعمليات المالية بشكل رقمي أمام سيولة مادية مفرطة”، خالصا إلى أن “الوصول إلى جعل ارتفاع عدد المُستبنكين في خدمة تخفيض الكاش يحتاج إلى حزمة من الحوافز الموجهة لهؤلاء”.
The post اقتصاديون: ارتفاع “الكاش” والاستبناك مفارقة .. والأداء الإلكتروني يحتاج التحفيز appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.