تمثل التكنولوجيا التحويلية الابتكارات القادرة على تغيير المشهد الاقتصادي والتجاري بشكل جذري، وبالنسبة للمغرب يمكن أن تكون لهذه التكنولوجيا تأثيرات كبيرة على هيئات المنافذ الحدودية والتجارة الخارجية، من خلال تغيير طرق العمل وتقديم تحديات وفرص جديدة.
في الواقع، تمثل التكنولوجيا التحويلية، التي تم تطويرها في السنوات الأخيرة، ابتكارات قادرة على تغيير الصناعات والممارسات الحالية بشكل عميق. تظهر هذه التكنولوجيا غالبًا على هامش السوق، وتكتسب تأثيرًا تدريجيًا، وتنتهي في النهاية بإزاحة التكنولوجيا السائدة.
بالنسبة للمغرب، يمكن أن يؤدي دمج هذه التكنولوجيا في التجارة الدولية إلى إحداث ثورة في إدارة الحدود والتجارة الخارجية.
يستكشف هذا المقال التأثير المحتمل لهذه التكنولوجيا على هيئات المنافذ الحدودية، مسلطًا الضوء على أهمية النهج الاستراتيجي والمتوازن لاعتمادها.
التكنولوجيا التحويلية
تمتلك التكنولوجيا التحويلية، مثل البيانات الضخمة وتقنية البلوكشين والذكاء الاصطناعي، القدرة على تحويل عمليات التجارية الدولية بشكل عميق.
● البيانات الضخمة
تمكن البيانات الضخمة هيئات المنافذ الحدودية من تحليل كميات ضخمة من المعلومات لاتخاذ قرارات مستنيرة وأتمتة العمليات. على سبيل المثال، يمكن لهذه الهيئات استخدام البيانات الضخمة لتحديد أنماط التجارة غير القانونية، وتحسين عمليات التفتيش، وتقليل الاحتيال.
من خلال تحليل بيانات المعاملات في الوقت الفعلي، يمكن للجمارك مثلا اكتشاف واستهداف الشحنات المشبوهة بشكل أكثر فعالية.
● تقنية البلوكشين
توفر تقنية البلوكشين سجلاً موزعًا وآمنًا يمكن أن يحسن الشفافية وقابلية تتبع المعاملات التجارية.
على سبيل المثال، يمكن استخدام البلوكشين لتسجيل وتتبع كل خطوة من عملية الاستيراد أو التصدير، بدءًا من منشأ البضائع وصولًا إلى وجهتها النهائية، مع ضمان عدم إمكانية تزوير المعلومات. هذا يسهل الامتثال، ويقلل من مخاطر الاحتيال. مثال ملموس هو مبادرة “TradeLens”، وهي مشروع بلوكشين تم تطويره بواسطة Maersk وIBM لتتبع حاويات الشحن البحري، ويمكن تكييفها لتلبية احتياجات السياق المغربي.
● الذكاء الاصطناعي
يمكن للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي تحسين إدارة المخاطر واستهداف عمليات التفتيش الجمركية. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل آلاف التصريحات الجمركية لتحديد أنماط الاحتيال أو التهريب. من خلال التعلم من البيانات التاريخية، يمكن للذكاء الاصطناعي توقع المخاطر المستقبلية بإجراءات محددة. في الصين مثلا، تستخدم الجمارك بالفعل الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الماسحات الضوئية للحاويات، مما يحسن كفاءة وفعالية عمليات التفتيش.
لدمج هذه التقنيات، يجب على المغرب الاستثمار في البنية التحتية اللازمة وتدريب الموظفين ووضع الأطر القانونية والسياسات لحماية البيانات. هذا يضمن أمان وسرية المعلومات التي يتم جمعها ومعالجتها.
إدارة الحدود
يمكن أن يحسن دمج التكنولوجيا التحويلية في إدارة الحدود بشكل كبير من كفاءة وأمان التبادل التجاري الدولي.
● الطباعة ثلاثية الأبعاد
تحدث الطباعة ثلاثية الأبعاد أو التصنيع الإضافي ثورة في الإنتاج من خلال السماح بإنشاء أشياء ثلاثية الأبعاد من ملفات رقمية. يمكن لهذه التكنولوجيا تغيير التدفقات التجارية العالمية عن طريق تقليل حركات السلع عبر الحدود وزيادة حركة المواد الخام.
بالنسبة للجمارك المغربية، يعني ذلك تعديل القواعد والإجراءات للتعامل مع الديناميكيات الجديدة للتجارة الناتجة عن الطباعة ثلاثية الأبعاد، خاصة في مجال حقوق الملكية الفكرية.
● إنترنيت الأشياء
يسمح إنترنيت الأشياء بمراقبة حركة البضائع في الوقت الفعلي، من خلال أجهزة الاستشعار المتصلة. على سبيل المثال، يمكن لأجهزة الاستشعار تتبع درجة الحرارة والرطوبة في الحاويات التي تحمل المنتجات القابلة للتلف، مما يضمن جودتها حتى تصل إلى الوجهة النهائية. يمكن نقل المعلومات التي تجمعها هذه المستشعرات في الوقت الفعلي إلى مسؤولي الجمارك، الذين يمكنهم بعد ذلك إعطاء الأولوية للتفتيش وتجنب التأخير غير الضروري.
● القياسات الحيوية
توفر القياسات الحيوية وسائل موثوقة للتحقق من الهوية ويمكنها تعزيز الأمن على الحدود ومكافحة الاحتيال. على سبيل المثال، يمكن استخدام التعرف على الوجه وبصمات الأصابع للتحقق من هوية المسافرين وموظفي المنافذ الحدودية، مما يقلل من مخاطر الدخول غير القانوني وتزوير الهوية. تستخدم الولايات المتحدة بالفعل التقنيات البيومترية في مطارات عديدة لتسريع عملية فحص الركاب.
● الطائرات بدون طيار
يمكن استخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة الحدود، مما يسمح بالكشف السريع والاستجابة للأنشطة المشبوهة. على سبيل المثال، يمكن للطائرات بدون طيار أن تقوم بدوريات في المناطق الحدودية التي يصعب الوصول إليها وتقديم صور في الوقت الفعلي إلى السلطات الجمركية، مما يزيد من قدرتها على منع الأنشطة غير القانونية. في دبي، على سبيل المثال، تستخدم الجمارك الطائرات بدون طيار لمراقبة الموانئ والمناطق الحرة، مما يحسن الأمن وكفاءة العمليات.
● الواقع الافتراضي والمعزز
يمكن أن يُحدث الواقع الافتراضي والواقع المعزز تحولًا في تدريب موظفي هيئات المنافذ الحدودية. توفر أجهزة المحاكاة بيئات تدريب واقعية دون الحاجة إلى بنية تحتية مادية مكلفة. يوفر الواقع المعزز معلومات في الوقت الفعلي أثناء عمليات التفتيش، مما يساعد الموظفين على تحديد المخاطر واتخاذ قرارات سريعة. على سبيل المثال، يمكن للموظفين المزودين بنظارات الواقع المعزز رؤية المعلومات المهمة، مثل تاريخ عمليات التفتيش والتصريحات الجمركية والتنبيهات المتعلقة بالمخاطر؛ وهو ما يعزز من كفاءتهم.
السياق المغربي
بدأ المغرب، بالفعل، في دمج بعض التقنيات التحويلية. على سبيل المثال، يتم استخدام نظام الجمارك المغربي “بدر” لإضفاء الطابع الرقمي على العمليات الجمركية. يسمح هذا النظام للمستوردين والمصدرين بتقديم تصريحاتهم عبر الإنترنيت، مما يقلل من الوقت والتكاليف المرتبطة بالإجراءات الجمركية.
مشروع بورتنيت، وهو نقطة واحدة للتعامل مع الإجراءات التجارية الخارجية، يعد مثالاً آخر على استخدام التكنولوجيا لتحسين التنسيق بين مختلف الأطراف. يدمج بورتنيت العديد من الخدمات، بما في ذلك إدارة التصاريح والتراخيص وتتبع الشحنات ودفع الرسوم والمكوس؛ مما يسهل التبادلات، ويقلل من وقت المعالجة.
علاوة على ذلك، يمكن لهيئات المنافذ الحدودية الاستفادة من التكنولوجيا التحويلية لتحسين الشفافية والكفاءة في عملياتها. يمكن لاستخدام البلوكشين لتتبع المعاملات والشهادات الأصلية تقليل الاحتيالات والأخطاء، في حين يمكن للبيانات الضخمة المساعدة في التنبؤ باتجاهات التجارة وتكييف الاستراتيجيات وفقًا لذلك.
يعد تبني التكنولوجيا التحويلية من قبل الهيئات الحدودية المغربية ضرورة لمواجهة تحديات التجارة الدولية الحديثة. توفر هذه التكنولوجيا فرصًا كبيرة لتحسين الكفاءة والأمان والشفافية في العمليات الجمركية. ومع ذلك، يجب أن يكون دمجها استراتيجيًا ومدروسًا، مع مراعاة الاستثمارات اللازمة والأطر القانونية المطلوب وضعها.
من خلال التحضير الآن، يمكن للهيئات الحدودية المغربية تحسين أدائها ووضع نفسها كقائدة في الإدارة الحديثة للحدود. إن اتباع نهج استباقي ومخطط جيدًا سيمكن من تعظيم فوائد التكنولوجيا التحويلية مع تقليل المخاطر المرتبطة بها.
The post إدماج التكنولوجيا التحويلية يضع المغرب أمام فرصة اعتماد “الحدود الذكية” appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.