على بُعد شهر من الموسم الدراسي المقبل، تجدد الجدل بخصوص الخصاص المسجل “كل سنة” في أساتذة الرياضيات بالثانويات الإعدادية والتأهيلية بالمملكة، والذي يدفع العديد من المديريات إلى “الاستنجاد” بأساتذة المواد “المتآخية” أي المتقاربة على غرار الفيزياء والكيمياء؛ ما يثير استنكارا من لدن بعض أساتذة مادة “الجبر والهندسة”.
الأساتذة، الذين تحدثوا لهسبريس، قالوا إن “هذا الحل لا يعدو كونه حلا ترقيعيا ذا أثر على مردودية التلاميذ، ويغفل أن المشكلة تجد جذورها في عزوف التلاميذ عن اختيار شعبة الرياضيات ما بعد البكالوريا”؛ وهو القول الذي يبدو أنه لا يلقى ترحيبا من لدن أكاديميين يشددون على أن “هذا الخصاص لا يمكن تفاديه”، لكنهم يعتبرون “أن الوزارة الوصية تتداركه عبر المباريات، وتدبره المديريات الإقليمية تدبيرا منطقيا لا يخضع لأية عشوائية”.
وكانت الجمعية المغربية لأساتذة الرياضيات قد حذرت، أخيرا، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من اللجوء إلى “الدخلاء” لسد الخصاص.
وسجلت الجمعية سالفة الذكر، في بلاغ، “التراجع المهول والمتزايد سنة بعد سنة في عدد المترشحين لاجتياز مباراة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تخصص الرياضيات (..) الذي اضطرت الوزارة على إثره خلال الموسم الحالي لفتح المباراة ثلاث مرات وعلى فترات ممتدة، واللجوء في الأخير إلى إجازات في تخصصات أخرى في العلوم الاقتصادية وعلوم الحياة والأرض والفيزياء… لسد الخصاص”.
خصاص وترقيع
ربيع المرزاق، رئيس الجمعية المغربية لأساتذة الرياضيات، قال إنه “لا يعقل أن تلجأ الوزارة في كل سنة إلى الحلول الترقيعية التي أثبتت، خلال السنوات الأخيرة، عدم جدواها في سد النقص في أساتذة الرياضيات؛ فالعديد من أساتذة المادة بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين يشتكون من عدم قدرة العديد من الأساتذة المتدربين المجازين في المواد المتآخية (الفيزياء والكيمياء- المعلوميات) على مسايرة التكوين في شعبة الرياضيات؛ وكثيرا ما يرسب عدد مهم من هذه الفئة في امتحان التخرج من هذه المراكز”.
وأضاف المرزاق، في تصريح لهسبريس: “تبعا لذلك، تصطدم العديد من المديريات الإقليمية بوجود خصاص في أساتذة الرياضيات في المؤسسات التعليمية التابعة لها عند بداية الموسم الدراسي؛ فتلجأ إلى تقليص عدد الأقسام في مؤسسات أخرى، بغية نقل أستاذ للمادة أو أكثر إلى المؤسسات التي تعاني الخصاص”.
ووصف رئيس الجمعية المغربية لأساتذة الرياضيات هذه العمل بـ”حل ترقيعي آخر يساهم في مفاقمة الاكتظاظ في الأقسام وتجاوز سقف 40 تلميذا كحد أقصى؛ وبالتالي فهو يفرمل مردودية التلاميذ ليس في مادة الرياضيات فقط وإنما في المواد الأخرى أيضا”.
ويتمثل أصل “هذه المشكلة”، حسب المرزاق، في “عزوف نسبة مهمة من التلاميذ عن الالتحاق بشعبة الرياضيات بكليات العلوم أو كليات الإجازة في التربية، حيث لا يتجاوز عدد طلبة هذه الشعبة في بعض الكليات 30 طالبا؛ وهو رقم ضئيل جدا لا يمكن أن نعوّل عليه لسد الخصاص في أساتذة المادة”.
وأرجع المتحدث ذاته هذا العزوف “إلى أن هؤلاء التلاميذ يحبذون متابعة الدراسة بالمدارس العليا للهندسة؛ لأنهم لا يقفون عند أية محفزات لامتهان التدريس أمام هزالة أجور الأساتذة مقارنة بالمهندسين، فضلا عن الاكتظاظ بالأقسام الذي يطرح إشكاليات عدم القدرة على تتبع مستوى كل التلاميذ بشكل يومي والجهد الكبير الذي تتطلبه عملية تصحيح الفروض”.
وشدد المتحدث عينه على أن “طي ملف الخصاص في أساتذة المادة يتطلب ضمان الاكتفاء الذاتي من مجازي الرياضيات المترشحين لاجتياز مباراة تدريسها؛ والذي لن يتحقق سوى بالرفع من جاذبية الإجازة في المادة عبر مضاعفة قيمة المنحة لطلبة الإجازة في الرياضيات، وكذا الرفع من أجور أساتذة المادة، وتمكينهم من العلاوات كما كان الحال في السبعينات”.
تدارك وتدبير
نور الدين إدريس، الخبير التربوي والأستاذ بالمركز الجهوي للتربية والتكوين بمكناس، ذكّر بداية أن “الوزارة لجأت إلى فتح دورة استثنائية في أبريل 2023 لاستكمال عدد 2600 أستاذ متدرب في سلك تأهيل أطر التدريس في مادة الرياضيات بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين مسلك أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي؛ وبالتالي فهؤلاء الذين ما زالوا في طور التكوين بهذه المراكز سيسدون الخصاص في أساتذة المادة في الموسم الدراسي المقبل”.
وأضاف إدريس، في تصريح لهسبريس: “أنه لا يمكن بأي حال أن نضمن عدم وجود خصاص في أساتذة مادة الرياضيات؛ لأن مرض هؤلاء أو غيرهم يظل أمرا واردا، فضلا عن لجوء قطاع واسع منهم إلى التقاعد النسبي لأن تدريس الرياضيات التي هي مادة غير حيوية على غرار الفلسفة يعد أمرا مجهدا”، مشددا على أن “هذا المشكل تستحضره غالبا الوزارة في المباريات وتدبره المديريات الإقليمية عند بداية الموسم الدراسي”.
ويبدو أن الأخذ على المؤسسات التعليمية الاستنجاد بأساتذة تخصصات مواد متقاربة لسد الخصاص في أساتذة “الجبر والهندسة” لم يرق الخبير التربوي نفسه، إذ اعتبر أن “اللجوء إلى استثمار الفائض في أساتذة الفيزياء والكيمياء من أجل تدريس مادة الرياضيات يعد أمرا طبعيا، ولا يتم اعتباطا؛ بل هو يراعي كون الأساتذة المجازين في الفيزياء والكيمياء يبينون عن تمكن عال من الرياضيات، بالنظر إلى الترابط الكلي بين المادتين”.
وشدد المتحدث عينه على أن “هذا الأمر لا يؤثر بأي حال على جودة التكوين ومردودية التلاميذ في مادة الرياضيات؛ فهو يخضع لتدبير منطقي يقوم على تولي أساتذة الفيزياء والكيمياء الذين يعهد إليهم بتدريس الرياضيات المستويات غير الإشهادية وأقسام شعبة الآداب والعلوم الإنسانية فقط. فيما تدرس الرياضيات بالمستويات الإشهادية من قبل الأساتذة المكونين فيها حصرا، إلا في حالات نادرة”.
وأضاف: “يكفي استحضار أن 32 من أصل 45 من التلاميذ الدوليين الحاصلين على البكالوريا في الرياضيات، الذين انتقتهم المدرسة متعددة التقنيات، هم مغاربة”.
وزاد شارحا: “تدريس الدروس المقررة في مادة الرياضيات للمستويات غير الإشهادية ليست بالمهمة العسيرة على أساتذة تخصص تلقوا تكوينا في هذه المادة خلال فترة تدريبهم بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين؛ لأنها هذه الدروس تظل عامة وليست معمقة”، متسائلا: “كيف يعقل أن نتحدث عن عدم قدرة مجاز في الفيزياء ومتخرج من هذه المراكز تدريس التلاميذ معادلات من الدرجة الأولى أو دروس عامة في الهندسة؟”.
The post أساتذة الرياضيات يرفضون “ترقيع سد الخصاص” في الدخول المدرسي المقبل appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.