بدأ قبل أيامٍ شهرُ غشت وبدأت معه العطلة السنوية لرجال القضاء، من قضاة ومحامين وكتاب الضبط، والتي تنعت أساسا بـ”العطلة القضائية” لتحقيق التمييز بينها وبين العطل الأخرى التي يستفيد منها موظفو الدولة سنويا؛ غير أن رمزية هذه العطلة ربما تميزها عن نظيراتها في المجالات والقطاعات الأخرى، خصوصا ونحن نتحدث عن سلطة قضائية .
الشاهد على ذلك أن العطلة القضائية عادة ما تثير نقاشا يدفع في الغالبية باتجاه اعتبارها “مناقضة لمبدأ استمرارية المرفق العام”، على اعتبار أن هناك فئات مجتمعية، كالجالية المغربية بالخارج مثلا، تعول على شهر غشت تحديدا لمعالجة ملفاتها العالقة بالمحاكم، سواء كانت ذات طبيعة أسرية أو تجارية أو عقارية.
محامون وخبراء في القانون أكدوا لهسبريس أن “العطلة القضائية تبقى في نهاية المطاف فرصة سنوية للراحة بالنسبة لرجالات القضاء، شأنهم في ذلك شأن موظفي الدولة وأصحاب المهن الحرة، فالدفع بكونها تعارض مبدأ استمرارية المرفق العام مجانب للصواب لكونها لا تعيق عمل المحاكم”، موضحين أن “فلسفة هذه العطلة تتعلق أساسا بتأجيل البت في بعض القضايا التي تستوجب مدة طويلة إلى شتنبر، في حين تبقى المحاكم طيلة شهر غشت مفتوحة للبت في القضايا الجنائية والجنحية والمستعجلة”.
ألمو: المرفق القضائي مستمر
محمد ألمو، محام بهيئة الرباط، قال إن “المحاكم تظل مفتوحة خلال العطلة القضائية بالنسبة للقضايا الجنحية والقضايا المستعجلة والجنائية، في حين يتم تأجيل البت في بعض الملفات، التي تحتاج في الأساس إلى مدة طويلة للبت فيها، مثل الطلاق الذي لا يمكن معالجة كل قضية ترتبط به خلال جلسة واحدة”.
وأضاف ألمو، في تصريح لهسبريس، أن “تحديد موعد العطلة السنوية في مجال العدالة صعب جدا، لكن يبقى تحديدها في شهر غشت إلى حد ما موفقا، فالبعض يعتقد أن العطلة القضائية توقف المرفق القضائي بكامله، وهذا غير صحيح لأن القضايا الجنائية والجنحية والمستعجلة لا تلتزم بهذه العطلة، وهو ما يجعلنا أمام محاكم مفتوحة لتقديم الدعاوى وسحب الأحكام والوثائق”.
من هذا المنطلق أبرز المتحدث أن “البعض، بمن فيهم الجالية، يرى أن شهر غشت كاف للانتهاء من بعض القضايا المعقدة، التي تستدعي مدة طويلة من الوقت، وهذا خطأ لأن هناك قضايا تتطلب استدعاء الأطراف”، مضيفا أن “الجالية، مثلا، يجب أن تعي بأن هناك حلولا أخرى، ضمنها نظام الوكالة وتكليف محام، ما دام الحضور غير ضروري في بعض الأحيان”.
المهم في هذا الصدد، يتابع المتحدث، هو أن “المرفق يظل مفتوحا وغير فارغ أو مقفل، حيث إن العملية برمتها عبارة عن نقل بعض القضايا من شهر غشت إلى شهر شتنبر، حيث يكون هناك تسريع لمواعيد الجلسات بشكل أسبوعي لتدارك التأخر الحاصل بفعل العطلة القضائية”، مشيرا في الأخير إلى أن “هذه العطلة لا تعاكس مبدأ استمرارية المرفق العام بأي شكل من الأشكال”.
السباعي: تدبير زمني للقضايا
من جانبه أوضح الحسين بكار السباعي، محام باحث في الهجرة وحقوق الإنسان، أن “العطلة القضائية في نهاية المطاف تبقى إجازة سنوية تقسم بين موظفي وقضاة المرفق القضائي وفق زمن معين يستلزم استمرارية هذا المرفق حسب بعض أنواع القضايا التي لا تقبل التأخير والتأجيل، وتتطلب زمنا معينا لمتابعتها والبت فيها، خاصة القضايا الجنحية التلبسية وملفات التحقيق والقضايا الاستعجالية المرتبطة بحق مستعجل أو يُخشى ضياعه أو تفاقمه كضرر ما دون تدخل القضاء لجبره ولو مؤقتا”.
وتابع السباعي قائلا: “لا يتأتى الاستمرار في توفير الظروف المناسبة لسير عمل المرفق القضائي وضمان حسن أدائه دون عطلة قضائية تصادف، كغيرها من عطل باقي المرافق العمومية وشبه العمومية وحتى المؤسسات الخاصة، إجازة فصل الصيف المرتبطة بالأساس بالإجازة المدرسية لأبنائنا، وهذه العطلة لا يتوقف فيها عن العمل فقط القضاة ومُوظفو كتابة الضبط فيما عدا قضايا المعتقلين الاحتياطيين في مسطرة التقديم أمام قضاة النيابة العامة، بالنظر إلى ضرورة احترام فترة الحراسة النظرية، وكذلك ملفات التلبس والتحقيق التي تتطلب زمنا معقولا يراعي ظروف اعتقال المتابعين احتياطيا”.
وأحالنا المتحدث على الفصل 30 من النظام الأساسي لرجال القضاء، الذي ينص على أنه “يحق لكل قاض في حالة القيام بمهامه التمتع برخصة شهر عن كل سنة مارس فيها مهامه يتقاضى عنها أجرته ويؤذن له بالرخصة الأولى بعد انصرام اثني عشر شهرا من العمل، حيث يحتفظ وزير العدل بكامل الحرية لتجزئة الرخص، كما يجوز له أن يعترض على ذلك إن اقتضته مصلحة العمل. وتعطى الأسبقية للقضاة الذين لهم أبناء تحت كفالتهم في اختيار فترات الرخص السنوية”.
وبالنسبة لموظفي كتاب الضبط، أشار السباعي إلى الفصل 39 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية في علاقته بالعطلة السنوية، والذي ينص على أن “لكل موظف قائم بعمله الحق في رخصة سنوية يتقاضى عنها راتبه وتبلغ مدتها شهرا عن كل سنة زاول أثناءها مهامه على اعتبار أن الرخصة الأولى لا يسمح بها إلا بعد قضاء اثني عشر شهرا في الوظيفة، وتحتفظ الإدارة بكامل الحرية لتقسيط الرخص، كما يجوز لها، إن اقتضت مصلحتها ذلك، أن تتعرض لتجزئة هذه الرخص، وللموظفين الذين لهم أبناء متمدرسون الأسبقية في اختيار فترات الرخص السنوية”.
وأضاف أن “المحامين، باعتبارهم كذلك جزءا لا يتجزأ من أسرة القضاء فإن التزامهم بالثلاثين يوما لشهر غشت كعطلة قضائية يخضع لالتزاماتهم المهنية وطبيعة القضايا المكلفين بها، فضلا عن التعاون المفروض بين الزملاء في هذه المهنة لتصريف ملفات موكليهم بما يضمن مصالحهم وحقوقهم، وكذلك السير العادي لمكاتبهم”، مؤكدا في الأخير أن “العطلة القضائية لا تؤدي حتما إلى تعطيل العدالة ولا تتعارض مع مبدأ استمرارية المرفق العام، فالمرفق العام القضائي يبقى مفتوحا في وجه المواطنين والمتقاضين”.
The post قانونيون: العطلة القضائية السنوية لا تمس استمرارية المرفق العمومي appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.