قال المفكر السوري برهان غليون إن سؤال استمرار الديمقراطية وقدرتها على العيش والانتشار وأن تقدم حلا وأجوبة لحاجات أي مجتمع تحتاج أن نعترف بأن الديمقراطية كانت هي “التجسيد السياسي لفلسفة عامة انتشرت ضمن مخاضات والتي كانت تتمحور حول الإنسان وحريته وقدرته على إدارة شؤونه بعقلانية وأن يتملك مصيره في النهاية. وكل فرد يكون له دور”.
ولفت غليون، الذي كان يخاطب الجمهور من طنجة ضمن الدورة الـ18 لمهرجان “ثويزا” الثقافي، إلى تمحور الصراعات اليوم بين المجتمعات حول “توزيع الموارد”، موردا أن “كل طرف يريد أن يأخذ أكبر قدر منها، وليصعد في السلم الاجتماعي على المستوى المادي”، وزاد: “داخل المجتمع أيضا توجد طبقات، والأشخاص الذين لديهم مقدرات تحضر لديهم نزعة احتكار المزيد”.
وشدد المفكر السوري، الذي يحضر في هذه الدورة التي تنعقد تحت شعار “إنما الأمم الأخلاق”، على أن النظام الديمقراطي يقترح “حلولا لهذا المشكل حتى لا تصير هناك ثورة”، موضحا أن “الثورة تحدث حين تختل موازين التوزيع إلى درجة لا تكون مُحتملة، فتصبح شروط تقسيم الموارد في حاجة إلى إعادة النظر من جديد، فتبدأ الانتفاضات من أجل انتزاع أملاك الناس المنهوبة”.
وقال المتحدث، وهو يجيب عن أسئلة الأكاديمي امحمد جبرون في حوار مفتوح، مساء الجمعة، إن نظام الحكم الذي نتناقش بشأنه له من الميكانيزمات ما يكفي للحيلولة دون أن “تثور المجتمعات دمويا؛ أو دون أن يؤدي الوضع إلى الدمار”، مشددا على أن الديمقراطية “صمام أمان ضد هذه الكوارث، فهي تمنح فرص التقدم لجميع الأفراد، وهي وقاية حقيقية وحماية للمجتمعات من جميع إرهاصات الانفجار الاجتماعي”.
ولفت إلى انحسار هذا النظام وتراجعه، وبداية الشكوك حول جدواه وأيضا في فلسفته “أمام ما يجري في العالم وأمام صعود اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية”، معتبرا أن الحديث عن أثر كل هذا على إنهاك الديمقراطية “يمكن تصوره فعليا على المدى الطويل”، مستدركا أن “الديمقراطية الآن ما زال لها دور كبير لتلعبه، على الأقل في مجتمعاتنا”.
وتابع شارحا: “هي بوصلة توجه نشاطنا السياسي نحو إدماج كل أفراد المجتمع بالحياة السياسية والحياة الاجتماعية، وعدم ترك الناس في دوائر الثنائيات: جهة مقررة وجهة تابعة، جهة مهمشة وأخرى في الضوء”، مضيفا أن “الدمقرطة ليست فقط انتخابات، بل هي حقوق متساوية ترتبط بالاعتراف بحرية الرأي والتنظيم لجميع الأفراد، وكذلك إجراء استحقاقات دورية تبين الاتجاه العام لأغلبية الشعب بخصوص الطريق الذي يرسم خياراتهم السياسية”.
واعتبر المتحدث أن “الديمقراطية مازالت تقدم برنامج عمل مهما جدا حتى ينصهر الجميع في بوتقة واحدة”، خصوصا “في مجتمعاته الممزقة والمفككة فكريا وإيديولوجيا ودينيا وطبقيا”، مشددا على أن هذا النظام الغربي مازال له “دور يلعبه ليوجه النخب الحاكمة إلى حقيقة أن مستقبل البقاء في الحكم مرتبط بالقدرة على استيعاب جميع الناس الذين هم مهمشين”؛ فـ”الديمقراطية شعار رُفع ضد الاستبداد وهي معركة ضد نوع مظلم من الديكتاتورية”، بتعبيره.
وتفاعلا مع أسئلة جبرون بخصوص “مد المثلية الذي انتشر في الغرب ويتم إلباسه رداءات الديمقراطية”، قال غليون إنه “اليوم يتم سؤالك هل أنت مع أو ضد المثلية”، مضيفا أن “الغرب يجلب إلى النقاش قضايا لم يعد أحد يعترض عليها. المجتمعات لم تعد تعترض؛ فلا أحد يقتل المثليين اليوم مثل الماضي، لكن أن تجعل منها قضية أساسية في النقاش الوطني يعني أنك تقوم بتغطية أشياء أخرى من خلال دفع هذه القضايا إلى الواجهة”.
وسجل المفكر السوري البارز، الذي شارك في هذه الجلسة الحوارية إلى جانب الأكاديمي المغربي محمد الطوزي، أن هذه المواضيع تؤكد وجود “أجندة تخص كل مجتمع؛ كما أن ثمة برنامجا يتعلق بالنقاش، ووضع نقاش وطني يعد قضية أساسية حتى نحسن التقدم من أجل حل المشكلة”.
The post غليون: الديمقراطية توقف الثورات الدموية .. والغرب يدفع نقاش المثلية إلى الواجهة appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.