سنويا يتجدد تخليد ذكرى عزيزة ما زالت تحتل مكانا في وجدان المغاربة، خاصة ممن عاصَرَ تلك الفترة التاريخية الحاسمة في مسار القضية الوطنية الأولى؛ حينما قدِمَت يوم 14 غشت 1979 إلى عاصمة المملكة الرباط وفود علماء ووجهاء وأعيان وشيوخ سائر قبائل إقليم وادي الذهب، لتجديد وتأكيد بيعتهم للملك الراحل الحسن الثاني، معبّرين عن ولائهم وإخلاصهم الدائميْن للعرش العلوي.
الذكرى الـ45 لاسترجاع إقليم وادي الذهب، المخلّدة اليوم الأربعاء، تزامنت مع جملة مكاسبَ وحركية غير فاترة للدبلوماسية المغربية في قضية الصحراء؛ من الواضح أن آخِرَها لن يكون القرار الفرنسي الرسمي الداعم لسيادة المغرب على الصحراء وكذا مواقف إشادة بالحكم الذاتي توالت من دول الشمال الأوروبي، مثل فنلندا وبريطانيا، فضلا عن الاعترافات الصريحة التي كان المغرب قد حصدها من طرف إسبانيا وأمريكا ودول إفريقية ذات وزن.
الاحتفاء التاريخي بذكرى استرجاع وادي الذهب واستكمال الوحدة الترابية للمملكة يزداد أهمية وبريقا في ضوء قرارات دول داعمة للطرح المغربي بالصحراء المغربية؛ وهو ما قد يفرض الأمر الواقع حتى على المنتظم الأممي والدولي لتسريع المرور إلى إقرار حل نهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
“نهاية واقعية”
بالنسبة إلى خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، فإن “ذكرى وادي الذهب تسائل المسارات التاريخية التي قطعتها هذه القضية العادلة للمغرب لاستكمال وحدته الترابية التي طبعا تأخذ أكثر فأكثر جانبَ العدالة والإنصاف في مقاربة حَلّها أكثر من المقاربات التي تتبناها الأطراف المعادية للمغرب القائمة على ما تسمّيه “الجوانب المرتبطة بمقررات القانون الدولي الأخرى”.
واستحضر أستاذ العلاقات الدولية المتابع لتطورات قضية الصحراء، في تصريح لهسبريس، أن “الاحتفاء بالذكرى دليل على المعطى التاريخي لانتماء هذه البقعة إلى السيادة المغربية ورقعة جغرافية عُرفت تاريخيا بالمملكة الشريفة”.
وتابع: “إنه احتفاء، أيضا، بالمسارات المعاصرة التي عرفها هذا المشكل، حيث استطاع المغرب بحنكة وبرؤية متبصرة جدا أن ينتقل من مستوى إلى آخر، وأن يجعل من هذه القضية قضية مُنتهية عَمليا وواقعيا، وبقيت بعض تبعاتها على المستويات السياسية والاستراتيجية إقليميا، ولم تعد لها أبعاد دولية كما كان الأمر سابقا”.
ومحللا أبعاد الموضوع، أكد شيات أن “ارتباط قضية الصحراء بشكل كبير مع استمرار نظام سياسي في الجارة الجزائر عملت هذه الأخيرة على تمطيطه طيلة هذه المدة الزمنية، رغم انتهاء الموضوع من الناحية الدولية إلّا من بعض الدول التي تستطيع الجزائر أن تُعاملها بمنطق “الرشوة السياسية”، مشددا على أن “الدول المؤثرة والعالمية بما فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لم تعد بينها أي دولة تساند الطرح الانفصالي، بل كل ما هناك أن بعض الدول التي تنتمي إلى منظومة الدول الدائمة تتحدث عن تطبيق مقررات الأمم المتحدة، التي تحيل على مسألة اعتماد حل سياسي عادل ومتوافق حوله وقابل للتنزيل والذي هو لحد الآن هو التصور المغربي فقط في إطار الحكم الذاتي.
تفوق دبلوماسي
قال خالد شيات، ضمن حديثه لهسبريس، إن “هذا الانتقال وهذا الاحتفاء اليوم يكرّس التفوق الجيوسياسي المغربي والتفوق الدبلوماسي الذي انعكس دبلوماسيا في مواقف كثير من الدول التي لها رؤى وتصورات وقدرات على مستوى التصور والتنزيل”.
وسجل خبير العلاقات الدولية أن تخليد استكمال الوحدة الترابية للمملكة “يذكّرنا بقوّة الرباط دبلوماسيا، وقوة تصوّرها الجيوسياسي بقيادة سياسية حكيمة متبصرة ومتأنية، وتجني المزايا بطريقة متراكمة وإن كانت بطيئة، ولكنها مجدية وفعالة؛ على عكس ما تريده الأطراف الأخرى التي تريد حلا سريعا وموالية لطرف أطروحاته بشكل نهائي.. وهذا أمر لم يعد قائما في هذه الأزمة بالذات”.
“اليوم، نحتفي بانتصارنا على مستويات متعددة في انتظار الانتصار النهائي على المستوى الإقليمي وانهيار الأطروحة الانفصالية للداعم الأساسي الذي أصبح دائما منفردا على المستوى القاري والعالمي (الجزائر) التي تربط وجودها سياسيا وكدولة بوجود هذه القضية”، ختم شيات متوقعا أن “التحولات المحتملة إقليميا يمكن لها أيضا أن تكون مرتبطة بشكل وثيق مع التحول الذي سيقع على المستوى القانوني بعد الحل النهائي لقضية الصحراء المغربية”.
تشويش جزائري
أكد محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مراكش، أن “المغرب باحتفاله بهذه الذكرى الجليلة لاسترجاع إقليم وادي الذهب يأتي لتعزيز مكانته، في سياق موسوم بقوة الاعتراف الفرنسي الأخير وكذا مدفوع بالوَهج الذي تعرفه القضية الوطنية، وفي ظل الإجماع الذي يمس آلية الحكم الذاتي”.
وتابع نشطاوي، بالمناسبة مصرحا لجريدة هسبريس، أن “المغرب، من خلال هذه الذكرى، يجسد من جهة تلاحم أبناء ساكنة الأقاليم الجنوبية بالعرش المغربي”. ومن جهة ثانية، العمل على مزيد من تحقيق المكاسب فيما يتعلق بمزيد من الاعترافات وفتح مزيد من التمثيليات الديبلوماسية بالصحراء المغربية.
ولفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن “هذه الذكرى الغالية ستكون دائما عنوانا للتلاحم وعنوانا للمسيرة التي يقُودها الملك محمد السادس من أجل تنمية مستدامة وتنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية في الأقاليم الجنوبية، رغم كيد الكائدين وكل ما تقوم به الجزائر”.
وسجل الخبير السياسي ذاته أن “العالم كله حاليا أضحى واعيا جدا ومقتنعا بأن الجزائر هي طرف رئيسي في هذا النزاع، وأنها تفعل كل ما بوسعها من أجل الحيلولة دون مزيد من الزخم الذي تعرفه قضيتنا الوطنية”.
وبالنسبة إلى نشطاوي، فإن “تصدّيات السفير عمر هلال لمندوب الجزائر في الأمم المتحدة أو حتى كذلك في عدد من الملتقيات الأممية والدولية تُبين إلى أي حد وصل هذا الحقد الدفين لجار السوء من تطاول على السيادة المغربية.. مع الوعي التام بأن وراء ذلك أسباب تاريخية وسياسية واقتصادية وجيوستراتيجية”.
ولفت الانتباه إلى أن “المغرب في الوقت الذي رَبح صحرائه، لم تحصد الجزائر سوى دعم البوليساريو عبر زراعة السوء وعدم الاستقرار والانفصال.. وبالتالي، هنيئا لها بحصاد ما زرَعْته”، وفق تعبيره.
وشدد نشطاوي على أن “الذكرى المجيدة لاستكمال الوحدة الترابية للمغرب لن تتأثر بأي لغط جزائري أيّا كان؛ لأن المغرب يحقق المكتسبات ويراكم الاعترافات ويحقق التلاحم بين العرش وباقي مكونات شعبه في كل المناطق والربوع”.
The post ذكرى استرجاع وادي الذهب .. المنجزات الدبلوماسية تكرس الملاحم التاريخية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.