في أحدث حلقات برنامج “شهادات للتاريخ”، الذي تنتجه هسبريس وتنشطه الإعلامية نعيمة المباركي، يحلّ السياسي محمد بن عيسى ضيفا على البرنامج كشخصية محورية لمناقشة مساره السياسي؛ هو المعروف بتقلّده مناصب مهمة عديدة في دواليب صناعة القرار في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث عيّنه وزيرا للثقافة، ثمّ سفيرا للمملكة المغربية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يصبح وزيرا للخارجية منذ 1999 إلى غاية 2007.
بن عيسى، المستشار البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة في الولاية الحكومية الحالية ورئيس مجلس جماعة أصيلة منذ أزيد من 40 سنة، يعدّ حاليا الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، التي تشرف على موسم أصيلة الثقافي الدولي؛ هذا الملتقى الذي يعتبر من أكثر الفعاليات الثقافية المغربية شعبية في الوسط الثقافي المتوسطي والشرق أوسطي والإفريقي بحكم انفتاحه على شخصيات ثقافية من مختلف المشارب. وهنا تكمن نقطة قوّة ضيف هسبريس: القدرة على الجمع بين قبعة السياسي وقبعة المثقف.
في هذه الحلقة السابعة والأخيرة، تفاعل بن عيسى بهدوء مع سؤال المباركي “المحرج” بخصوص غياب بنية تحتية حقيقية تتماشى مع الصيت الذي تعرفه مدينة أصيلة، معتبرا أنه “لم تعد هناك بنية هشة في المدينة. كل ثغرة تنموية تم التعامل معها. يتبقى لدينا الفضاء الشاطئي نشتغل عليه”، مستدركا بالقول: “وأما دور الصفيح، فصحيح هي موجودة؛ ولكنها مشكلة عالمية ولا تنحصر في المغرب”.
ولفت بن عيسى، الذي منح هذا السؤال أهمية كبيرة، إلى أن “الدولة تعمل جاهدة لمحاربة دور الصفيح. ونحن نعرف مسبقا أن وجودها مرتبط أساسا بالهجرة؛ ولكن هذا ليس دور المجلس البلدي ولا دور البرلمان”، موضحا أنه “تم إبلاغ الرسالة مرارا إلى المسؤولين المباشرين بالملف وسلطات الداخلية على اطلاع، وقد قمنا ببرامج؛ لأن الاستثمارات ليست بدورها في يد البلدية ولا البرلمان”. وقال: “صحيح لديّ علاقات استفدت منها في الاستثمارات الثقافية”.
وأضاف السياسي البارز أن هذه الاستثمارات ساهمت في تشييد مكتبة الأمير بندر، وأسعفت الإعانات مؤسسة منتدى أصيلة لتعزيز العرض السكني بـ900 شقة لمحاربة دور الصفيح بدعم من قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والسعودية وسلطنة عمان، مسجلا أن “أصيلة تتوفر، انطلاقا من هذه المساعدات، على أحسن وأكبر البنيات الثقافية في المملكة المغربية؛ ولكنها تحتاج إلى تمويل، نحن جمعية تشحذ… كنسعاو، وأنا أحيانا أمزح وأقول: أنا أكبر شحاذ في المغرب”.
وتابع قائلا: “كل ما يتم هنا يأتي بـ”الرّغيب”. وفي كل دورة من الموسم تساهم معنا بعض الهيئات المغربية بعد جهد جهيد؛ لأن الدولة من أجل محاربة للغش عقّدت أيضا قواعد هذه المساهمات، ومعها حق حتى لا يقع أي تلاعب خاصة بالأموال العمومية”.
وزاد: “وأنا أقول إذا متّ غدا، سأموت بحرقة كبيرة؛ لأنني لم أنجح ولم أستطع جلب المال لبناء فندق، رغم أنني حاولت.. هل هناك محاربة؟ لا أدري؛ ولكن كل الفنادق تذهب إلى مناطق كثيرة إلا أصيلة. الآن، هناك فندق من 4 نجوم سيبدأ قريبا”.
وأخرج المتحدث هذه الأمور من نطاق اختصاصات المجلس البلدي الذي يرأسه منذ 1983، معتبرا أن اختصاصاته منحصرة في جمع النفايات ومنح رخص البناء بعد موافقة الوكالة الحضرية، وإصلاح أعطاب مصابيح الإنارة، إلخ، مستدركا بالتوضيح: “كنت سابقا أستطيع الحصول على بعض الإمدادات لفائدة أصيلة. ولهذا، هذه الإصلاحات التي تهم المحطة الشاطئية مثلا ليست من أموال البلدية. فنحن ليس لدينا مدخول، مداخيلنا محدودة جدا (…) الميزانية تهم التسيير، وليست لدينا ميزانية للتجهيز”.
وتحدث رئيس بلدية أصيلة عن تأهيل الميناء، الذي “لم يكن موجودا أصلا، وكان مهنيو الصيد يقومون بأنشطتهم البحرية مرّتين في السنة، فقط”، مشيرا إلى أن “الكهرباء بدوره لم يكن موجودا، والماء الصالح للشرب كان يتم توزيعه بالشاحنات يوميا، ولم تكن هناك وسيلة عصرية لجمع النفايات.. ولذلك، عشنا مآسٍ”.
وأضاف ضيف هسبريس أنه “ليس في مقدورنا ولا في مأمورتنا أو من واجباتنا أن نلج الأماكن التي تتضمن بناء عشوائيا ونزودها بما يجب”، منبها إلى أن “الأرض المستغلّة لا تكون مملوكة لأصحاب البناء العشوائي، فتجدهم أحيانا في أرض للخواص أو في أرض للدولة، وهذا مشكل موجود. ونحن كبلدية نقوم بما هو مطلوب منا.. وأنا لا أدعو إلى القيام بالمعجزات؛ ولكني أزعم أننا حققنا أشياء لم تكن، من قبيل تعبيد الطريق”.
وبنوع من الرد غير المباشر على خصومه ومنتقديه، قال بن عيسى إن هذه النقط المتصلة بالتنمية في أصيلة “أحيانا، لأسباب سياسية صغيرة، تتم إثارتها من باب النبش في سمعة البلدية”، معتبرا أن “السياسة هي هذه.. أن تقول في الإنسان ما ليس فيه. وأنا أتحمل كل شيء إلا حينما يمسني شخص في أخلاقي وكرامتي، حينئذ ألجأ إلى القضاء. وحصل ذلك معي عندما كنت وزيرا؛ ودائما أحبّذ فصل الأمور في القضاء، ومن لديه دليل ضدي فليشهره”.
وتفاعلا مع سؤال المباركي حيال أفق موسم أصيلة الثقافي الدولي بعد بن عيسى باعتباره موسما يبدو مرتبطا باسمه و”جهده”، لفت إلى أن “العمل الثقافي في أصيلة ليس عملا محدودا في الموسم، لا سيما أن هيئات من المغرب بكامله تأتي لتجتمع هنا”، منتقلا إلى مستقبل الحدث الثقافي الكبير موضحا أنه “طالما يقول إن الدولة سيأتي يوما وتنتبه وتخصص ميزانية لتسييره لأنه حرام هادشي يمشي”.
وسجل أن المهرجانات الكبرى مثل مهرجان “كان” السينمائي وغيره من أشرفوا عليه قضوا نحبهم، لكن استمراريته صارت مضمونة بعد أن تبنته الدولة، (…) “ومصاريفنا في أصيلة في هذا الجانب، وفي كل هذه الأمور لا تتعدى 4 ملايين درهم ونصف فقط”، كاشفا أن هناك متاعب تطفو أحيانا في العجز في دفع فواتير كهرباء المنشآت الثقافية التي توجد في أصيلة. فالناس تُقدّر ولكنها تتغير، فمسيّر مؤسسة مانحة يمكن أن يغادر؛ وليس كل الناس تقدر العمل الإبداعي والثقافي. هكذا هي الدنيا، وأنا أرجو أن يتحفز غيرنا للعمل من أجل وطنهم وملكهم… والخير في ما هو قادم”.
The post بن عيسى: أصيلة تفارق هشاشة التنمية .. وأستحق لقب “أكبر شحاذ” بالمغرب appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.