قال الفاعل الحقوقي شكيب الخياري إن “العفو يعتبر حقا من ضمن حقوق الملك، نص عليه في الفصل 58 من الدستور، غير أن المقصود به هو أحد نوعيه، وهو العفو الخاص المنظم بمقتضى نص خاص، وهو الظهير الشريف رقم 1-57-387 بشأن العفو، إلى جانب مقتضيات من مجموعة القانون الجنائي وكذلك قانون المسطرة الجنائية”.
وأوضح الخياري أن “النوع الثاني هو العفو العام الذي يندرج ضمن الاختصاصات الحصرية للبرلمان، وفق ما ينص عليه الفصل 71 من الدستور، وكذا الفصل 51 من مجموعة القانون الجنائي الذي ينص على أنه لا يكون العفو الشامل إلا بنص تشريعي صريح”.
وأضاف الفاعل الحقوقي ذاته أنه “على عكس ما يمكن أن يتصوره البعض فإن للعفو الملكي حدودا لا يمكنه تجاوزها، وهي حدود رسمها النص القانوني ذاته، إضافة إلى بعض المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي والمسطرة الجنائية”.
الفئات المستفيدة من العفو الملكي:
عن الفئات المستفيدة أكد الخياري أن “العفو الملكي يمكن أن يُمنح لأي شخص دون أي شرط قانوني، سواء تعلق الأمر بشخصه من حيث السن أو المهنة أو الوضع الصحي أو درجة إجرامه، بغض النظر عن خطورة الجريمة أو تعدد الجرائم المرتكبة أو حالة العود إلى ارتكاب الجرائم، أو بمركزه القانوني”، مشيرا إلى أن “العفو يمكن أن يشمل الشخص المشتبه فيه أو المتهم أو المدان، بمعنى أنه يمكن أن تتم الاستفادة من العفو الخاص رغم التمتع بقرينة البراءة”.
وفي هذا الإطار ذكّر الفاعل الحقوقي بما نص عليه الفصل الثاني من قانون العفو، الذي جاء فيه: “إن العفو الصادر قبل الشروع في المتابعات أو خلال إجرائها يحول دون ممارسة الدعوى العمومية أو يوقف سيرها حسب الحالة في جميع مراحل المسطرة ولو أمام محكمة النقض”، مشيرا إلى أن الأمر لم يكن كذلك قبل التعديل الذي طال هذا الفصل الذي كان ينص على أنه “لا يجوز إصدار العفو إلا إذا أصبح الحكم بالعقوبة المطلوب العفو من أجله لا مرد له وقابلا للتنفيذ”.
أسباب صدور العفو الملكي:
تحدّث الخياري عن “أسباب صدور العفو الملكي”، موضحا أن “اتجاها فقهيا يذهب، كما هو الشأن بالنسبة للفقيه Jules Legoux، إلى اعتبار العفو عملا سياديا من أعمال الرأفة والرحمة والمغفرة والنسيان التي تنبع من رئيس الدولة، ويمتد إلى الأحكام القضائية مهما كانت طبيعتها والعواقب التي تترتب عليها، ولكن أيضا إلى الأفعال التي قد تؤدي إلى تطبيق عقوبة، والتي لم تحل بعد على المحاكم”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “البعض الآخر يرى، كما هو الشأن بالنسبة للفقيه محمود نجيب حسني أن العفو عن العقوبة هو السبيل لإصلاح الأخطاء القضائية ووسيلة لمكافأة المحكوم عليه من أجل حسن سلوكه”، مشيرا إلى أنه “في إنجلترا وبلاد الغال ينحصر إعمال العفو الخاص حين تظهر أدلة جديدة للإثبات تؤكد عدم ارتكاب الشخص الجريمة، ولا تتبقى له أي وسيلة للطعن في الحكم”، وزاد: “هذه من الحالات التي يستوعبها النص القانوني المنظم للعفو في المغرب، فطلب العفو ليس بالضرورة طلبا للصفح، بل يمكن أن يكون وسيلة لتجاوز الخطأ التشريعي وأيضا الخطأ القضائي”.
آثار العفو الملكي:
في ما يخصّ “آثار العفو الملكي” قال شكيب الخياري إن “قانون العفو الملكي ينص على آثار محددة لهذا العفو، بحيث يتبين من مقتضياته أن له قوة نسبية في مواجهة الأحكام القضائية، كما هو الشأن أيضا بالنسبة للعفو العام الذي ليست له قوة مطلقة أمام هذه الأحكام”.
وفي هذا الصدد أكد المتحدث أن “صدور قرار العفو ينتج عنه الإسقاط الكلي أو الجزئي للعقوبة، الذي يعادل تنفيذ هذه العقوبة كليا أو جزئيا، بمعنى أن المدة المشمولة بالعفو تعتبر وكأنه تم تنفيذها، وبالتالي لا يمكن تنفيذها مجددا تحت أي ظرف كان”.
وعن “التدابير الوقائية” أوضح الخياري أن “العفو عن العقوبة الأصلية لا يسري على تدابير الوقاية، التي تكون إما شخصية من قبيل سقوط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء أو عينية من قبيل إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، إلا إذا ورد في قرار العفو خلاف ذلك”، مردفا:
“غير أنه لا يسري مطلقا على الأشياء المصادرة التي بوشر توزيعها بموجب حكم المصادرة. كما أنه يستثنى من آثار العفو الإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، والوضع القضائي في مؤسسة علاجية والحرمان من الولاية على الأبناء الذي يخضع لأحكام الانقضاء والإعفاء والإيقاف الخاصة به”.
وفي ما يخصّ “الغرامات والمصاريف القضائية” ذكّر الفاعل الحقوقي ذاته بأن “العفو الخاص لا يشمل الغرامات الصادرة بطلب من الإدارات العمومية (من قبيل الجمارك) والمصاريف القضائية، وإذا أعفي أحد من أداء غرامة وهو في حالة الإكراه البدني فإن هذا الإعفاء يكون من شأنه أن يخفض مدة العقوبة السالبة للحرية إلى المدة القانونية التي تطابق عند الاقتضاء مدة المخالفات الأخرى التي استوجبت سلب الحرية”.
وبعدما أشار المتحدث إلى أنه في حالة “الإفراج المقيد بشروط” تؤخذ بعين الاعتبار مدة العقوبة التي تم قضاؤها مسبقا عند استبدال عقوبة بأخرى، تطرق لـ”العقوبة التأديبية”، وقال إن “العفو الخاص لا يؤثر على العقوبة التأديبية الصادرة عن المنظمات المهنية، ويتعلق الأمر بالهيئات المؤسسة بمقتضى القانون التي تنظم المهن الحرة؛ غير أن محكمة النقض اعتبرت أن الأمر يتعلق حتى بالقرارات التأديبية الصادرة عن المجالس التأديبية في المؤسسات العمومية دون بيان السند القانوني”، منبها إلى أنه “إذا استفاد عسكري أو شبه عسكري من العفو فإن ما فقده من رتبة وحقوق في معاش التقاعد وأوسمة لا يعاد إليه”.
وبخصوص “السجل العدلي” أكد الحقوقي نفسه أنه “تتم فيه الإشارة إلى العقوبة ولقرار العفو الصادر بشأنها”، مؤكدا في مسألة “رد الاعتبار القضائي” إلى أن “العفو يتعلق بالعقوبات المحكوم بها، وبالتالي فإن صدوره لا يؤدي إلى رد الاعتبار”.
وتطرق شكيب الخياري إلى “آثار الحكم”، وقال في هذا الصدد: “يمكن أن يترتب على العفو الخاص الإلغاء الكلي أو الجزئي لآثار الحكم بالعقوبة، بما في ذلك قيود الأهلية وسقوط الحق الناتج عنه، وتستثنى من ذلك الأهلية الانتخابية؛ غير أنه لا يمكن أن يكون ضمن قرار العفو نفسه القاضي باستبدال العقوبة أو الإعفاء من تنفيذها كلا أو بعضا، ويفيد ذلك بأنه يمكن للمستفيد من القرار الأخير أن يستفيد لاحقا من قرار آخر للعفو يتعلق فقط بالعفو من آثار الحكم، لكن لا يبدو أن هذا العفو قد سبق صدوره من قبل، وحتى المنصة الإلكترونية لطلب العفو التابعة لوزارة العدل لم تستحضره من ضمن الخيارات المتاحة لطالب العفو”.
وفي حديثه عن “آثار العفو الملكي” على “حالة العود” أكد المتحدث أن الأخيرة “تتمثل في ارتكاب جريمة بعد حكم حائز لقوة الشيء المحكوم به من أجل جريمة سابقة، فيما العفو الخاص لا يحول دون اعتبار حالة العود”.
علاقة العفو العام بالملك:
أكّد شكيب الخياري أن “العفو العام” ورد تحت مسمى ‘العفو الشامل’ في بعض مقتضيات مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية والقانون المتعلق بالقضاء العسكري”، التي تضمنت بعض المقتضيات القليلة حول بعض آثاره، مضيفا أن “العفو العام في جل التجارب الدولية هو نص تشريعي صادر عن البرلمان حصرا، يلغي آثار ارتكاب الجريمة إلا ما استثناه هذا القانون، ما يعني أنه عكس العفو الملكي لا تقتصر آثاره على العقوبة وإنما تتعداها إلى الجريمة نفسها”.
وعليه، يضيف الخياري، فإن “العفو العام يكون مانعا من اعتبار حالة العود ويؤدي إلى محو الجريمة تماما من السجل العدلي بمختلف أصنافه، ولا يبقي سوى على آثار قليلة بقوة القانون، ويتعلق الأمر بحقوق الغير، لأنه يمحي عن الفعل وصفه الجرمي، فيما يبقي على وصفه ضررا”.
ونبّه الحقوقي ذاته إلى أنه “تم النص دستوريا أول مرة بالمغرب في دستور 2011 على العفو العام باعتباره اختصاصا حصريا للبرلمان، غير أنه رغم وضوح النص الدستوري وكذا مجموعة القانون الجنائي بشأن الطبيعة القانونية للعفو العام إلا أن مؤسسة الوسيط في تقريرها السنوي برسم سنة 2017 عرفته بشكل خاطئ بقولها إن ‘العفو الشامل قرار متخذ من طرف جلالة الملك، له أثر يميزه عن العفو الخاص، ذلك أن مفعوله لا يقتصر على جعل حد للمتابعة، أو إسقاط العقوبة برمتها، أو جزء منها، بل يتعداه إلى محو كل أثر للجريمة، واعتبارها كأن لم تكن”.
وعن إمكانية صدور قانون العفو العام عن الملك جاء في رد الخياري أن “الفصل 48 من الدستور جعل من ضمن اختصاصات المجلس الوزاري التداول في مشروع قانون العفو العام، ومن ثم فإن الملك باعتباره رئيسا لهذا المجلس يمكنه من خلاله إقرار مشروع قانون العفو العام وإحالته على البرلمان للتصويت عليه، وهي إمكانية لم يتم إلى الآن تفعيلها، وسيكون من المهم أن يتم إعمالها لوضع حد لمعاناة العديد من ضحايا التشريع والأحكام القضائية، خاصة مع بطء مسطرة رد الاعتبار وعدم جدواها في بعض الحالات التي ترغب في الولوج لبعض المهن”.
The post الخياري: العفو الملكي آلية للصفح .. وصدور القرار يخضع لنصوص قانونية appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.