بعدما وقّع المستشارون بالغرفة الثانية على مدونة الأخلاقيات التي توضح هذه الالتزامات المُتوافق بشأنها من لدن أعضاء مجلس المستشارين أنفسهم “مراعاة لمكانتهم الاعتبارية كممثلين منتخبين يخدمون بلادهم في أعلى مؤسسة دستورية”، لاحظ أكاديميون غياب طابع الجزاء فيها الذي من شأنه أن يكون “ملزما قانونيا لتنفيذ مخرجاتها”.
وتقول المدونة، في محتواها الذي طالعته هسبريس، إن الغرض منها يبقى “بناء فهم مشترك للسلوكيات والمواقف التي يرغب المجلس في تعزيزها أو التي يعتبرها غير مقبولة، بغية تقديم دليل مبسط للمستشارين حول معايير السلوك المقبولة في العمل البرلماني، وتوضيح المعايير القيمية والسلوكية التي يجب أن يتوقعها المواطن من المستشارة والمستشار الممثل بالمجلس”.
على هذا الأساس، تهدف “المدونة إلى التذكير بالالتزامات الملقاة على عاتق كل المستشارين والمستوحاة، أساسا، من المعايير المستخلصة من الممارسة البرلمانية الناجحة، والقائمة على مبادئ نكران الذات والنزاهة والموضوعية والمسؤولية والانفتاح والأمانة والقيادة الحسنة في الانضباط للالتزامات الأخلاقية المتوافق عليها وتحدي السلوك السيئ أينما حدث”.
محتويات المدونة
اعتبارا لأهمية مجلس المستشارين، دستوريا، ومكانته كمؤسسة مكونة للسلطة التشريعية، ترتكز هذه المدونة على التزامات عامة متعلقة بمراعاة التشريعات النافذة، وبناء السلوك بمراعاة المصلحة العامة، والعمل على تجنب التعارض بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة، وحل أي تعارض بينهما في وقت واحد، ولصالح المصلحة العامة، وأيضا “احترام المجلس وتجنب الإساءة إلى سمعته وهيبته، والتصرف بما فيه صالح الأمة بوجه عام، والالتزام بالسرية وحفظ المعلومات في نطاق القانون، وكذلك الدفاع عن حقوق المواطنات والمواطنين والفئات الممثلة بالمجلس دون تمييز”.
وأما التزامات المستشار في علاقته بالمجلس، فقد نصت الوثيقة على “القيام بالتصريح بالممتلكات وفق المساطر الجاري بها العمل، وإشعار الجهة المختصة بالمجلس في حالة الوجود في حالة التنافي أو الشك في ذلك، وإشعار المجلس بكل فعل أو تصرف من شأن مباشرته أن يترتب عنه الوقوع في حالة تضارب للمصالح، وكذلك منع إشهار الصفة بدون مبرر يستدعي ذلك، والانضباط لبرتوكولات الزيارات، والعمل على إظهار الصورة الناصعة للمجلس، وحسن تمثيله في مختلف المحافل دوليا وإقليميا ومحليا”.
وبخصوص الالتزامات مع المواطنين والفئات الممثلة بالمجلس، فيتعين على كل المستشارين الالتزام تجاه المواطنات والمواطنين والفئات الممثلة بالمجلس بالدفاع عن حقوقهم وعدم التمييز بينهم، والاحترام والعدالة والإنصاف والمساواة وتحقيق مصالح الناس ضمن الأصول والقانون، وكذا قيام المستشار بإحاطة المواطنات والمواطنين بكل نشاطاته وخطاباته وتصريحاته ومقابلاته وإنجازاته بكل الوسائل المتاحة.
وأخيرا، بخصوص التزامات المستشار داخل المجلس، فعليه “الانضباط لحضور أشغال اللجان والجلسات وعدم استعمال ألفاظ تنطوي على التهديد أو الإهانة أو التمييز أو الشتم، فضلا عن عدم استخدام لغة متعصبة أو عدائية متطرفة، وكذلك عدم إعلان نتائج التصويت أو أي أمر تم في جلسات سرية مخول لجهة محددة الإعلان عنه، بالإضافة إلى عدم التهديد الجسدي لأي كان، وعدم استعمال الهاتف أو قراءة الصحف وتناول الأطعمة أو التدخين أثناء الاجتماعات والجلسات”.
مشكلة سياسة
عبد الحفيظ اليونسي، جامعي وباحث في القانون الدستوري، قال إن “مجرد اعتماد وإصدار مدونة الأخلاقيات فكرة جيدة في كل الأحوال، وهي نقطة بداية للتأسيس القانوني لأعراف وتقاليد من داخل المؤسسات التشريعية”، مبرزا أن “هذا التأسيس مهم في التراكم الديمقراطي لبلادنا، خصوصا أن المؤسسة التشريعية هي التعبير المؤسساتي لسيادة الأمة”.
وأوضح اليونسي، في تصريح لهسبريس، أن هذه الخطوة تمثل “محاولة لإيقاف نزيف المصداقية الذي تعاني منه هذه المؤسسة نتيجة سلوكات بعض البرلمانيين من داخل المؤسسة أو خارجها”، موردا في الوقت ذاته أن “أهم ملاحظة هي عدم وجود ترتيب الجزاء على غياب البرلمانيين، خصوصا في لحظتي الدراسة والتصويت على مشاريع أو مقترحات القوانين”.
وسجل الأستاذ الجامعي أن “هذا الميثاق، في ظل غياب الجزاء لردع بعض التصرفات، سيبقى ذا بُعد معنوي ولا يرقى إلى القاعدة الملزمة”، مشددا على أنها “تبقى خطوة محمودة، لكن دون مستوى أفق خطاب الملك في افتتاح السنة التشريعية ودون ما كان منتظرا من هذا الميثاق”.
وتفاعلا مع سؤال هسبريس حول هل يمكن تخليق العمل البرلماني وإهمال الفعل السياسي في مبتدئه، أي الحزبي، أكد اليونسي أن “التخليق يتعين أن ينطلق من الأحزاب السياسية التي من وظائفها الدستورية التنشئة السياسية”، مستدركا أن هناك عائقا أمام قيام هذه الأحزاب بهذه الوظيفة وهو ارتهانها لمن يربح المقعد؛ بالتالي اللجوء المكثف إلى الأعيان، بعضهم يفتقر إلى الكفاءة والمروءة السياسية”، مضيفا أن “استمرار نهج الدولة في ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما هو في عديد المتابعات، من شأنه موضوعيا تعزيز التوجه نحو تخليق الفعل السياسي والانتخابي أيضا”.
استجابة للتوجيهات
عبد الرحمان الدريسي، مستشار برلماني عن حزب الحركة الشعبية، قال إن “هذه المدونة تأتي استجابة للتوجيهات الملكية التي شددت على أهمية تخليق العمل السياسي وبالتالي البرلماني”، مضيفا أن “المدونة تعد تأهيلا للعمل المؤسساتي؛ وهي تعبير عن رغبة عميقة لدى مختلف المستشارين والألوان السياسية والنقابية والمؤسساتية التي يمثلونها بضرورة تكريس الشق الأخلاقي في الممارسة السياسية ببلدنا”.
وسجل الدريسي، ضمن تصريحه لهسبريس، أن “التعاطي مع الموضوع طبعته الكثير من الجدية، خصوصا أن المؤسسة التشريعية بغرفتيها يحملان هذا الهم معا لضمان أداء مؤسساتي يتلاءم مع مسار التطور الذي عرفته بلادنا في ظرف الـ25 سنة الماضية”، معتبرا أن “التخليق يجعل الفاعل السياسي يتحمل مسؤوليته، خصوصا باعتباره مدافعا عن مصالح الشعب المغربي. ولهذا، نحن نعرف حساسية المرحلة التي نقبل عليها، وما تحتاجه من التزام”.
وأورد المتحدث سالف الذكر أنه “لا يمكن أبدا النقاش حول أهمية المدونة، لكونها مهمة وبإطلاق، باعتبارها تندرج في قلب هذه الدينامية؛ وداخل هذا التوجه الجديد الذي يبين أن المغرب أصبح فعلا لاعبا أساسيا في المشهد العالمي”، مشددا على أن “مكانة المغرب التي نتحدث عنها أصبحت بالفعل تستدعي هذا المسار من إضفاء جرعات ملزمة من الطابع الأخلاقي على الفعل العمومي والتفاوض بشأن المشاريع لتدبير المساحة بين السلطة التشريعية والتنفيذية”.
The post الجزاء يغيب عن “أخلاقيات المستشارين” .. والمدونة تُلزمُ التصريح بالممتلكات appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.