تستعد مجموعة من المناطق الأمازيغية في المغرب لاحتضان عدد من المواسم الدينية الشهيرة، على غرار موسم “سيدي عبد الله بوشواري”، وموسم “سيدي حماد موسى” بمنطقة تازروالت التابعة لإقليم تيزنيت بجهة سوس ماسة، فيما يعد من أشهر المواسم التي تعرف حضورا جماهيريا كبيرا، إذ إن المعروف أن الأمازيغ يقدسون الأولياء والأضرحة والمزارات وأصحابها أو “إكرامن” الذين كان لهم الفضل الكبير في نشر تعاليم الدين الإسلامي في هذه المناطق وشرح أحكامهم للناس بلسانهم.
ويؤكد مهتمون أن تشبث الأمازيغ بشكل معين من التدين، وكذا ببعض الممارسات والطقوس التي تعود إلى ما قبل الإسلام، رغم دخولهم في الأخير، أسس لنمط تدين محلي أو لما يسمى “الإسلام الأمازيغي” الذي يرفض إعادة إنتاج النمط المشرقي نفسه، إذ استطاع “إيمازيغن” أن يكيفوا التعاليم الدينية مع أعراف وتقاليد وعادات المجتمع؛ رافضين في الوقت ذاته الانتقادات التي توجهها بعض الوجوه السلفية لهذا النمط من التدين، ومؤكدين أن الأمر لا ينطوي على أي مخالفات شرعية أو أي محاولة لطمس معالم الإسلام ما دامت هذه العادات لا تتعارض مع العبادات.
بنيات ثقافية ووقاية من التطرف
تفاعلا مع الموضوع ذاته قال عبد الله بوشطارت، كاتب وباحث في الثقافة الأمازيغية، إن “الكثير من العادات والتقاليد والطقوس وأشكال التدين الشعبية وحتى الرسمية في المغرب نتجت إثر تراكم اجتماعي وتاريخي طويل، ميزته الأساسية هي التمازج والتثاقف الحاصل بين الإسلام كدين وشريعة وعبادات وبين الأمازيغية كمنظومة ثقافية واجتماعية وقانونية متكاملة، وأيضاً كنمط عيش”.
وأشار بوشطارت إلى أن “الثقافة الأمازيغية بما فيها اللغة وفلسفة العيش، وأشكال التدين القديمة وطريقة التفكير والتأمل في الحياة والموت وغيره، هي بنيات ثقافية في الذهنية المغربية والخيال الأمازيغي، فيما كان الأمازيغ يعيشون وفقا لهذه البنيات الثقافية والاجتماعية التي لا يمكن زحزحتها في وقت قصير بمجرد حدث أو تحول معين”.
وتابع الباحث ذاته بأن “الإسلام حين دخل إلى المغرب بالطرق التي نعرفها جميعا رفضه الأمازيغ في الوهلة الأولى، ونشبت حروب على فترات بين الأمازيغية كمنظومة محلية والإسلام كدين جديد لم يكن قادرا على تغيير البنيات التي تؤطّر المنظومة الثقافية الأمازيغية إلا بعد التكيف معها، فيما قام الأمازيغ أيضا بما يمكن تسميته تمزيغ الإسلام، وهذا هو سبب انتشاره في بلاد الأمازيغ في عموم شمال إفريقيا”.
وسجل المصرح لـ هسبريس أن “الباحثين في التاريخ، ليس في تاريخ الإنسان فقط وإنما في تاريخ ما ينتجه ويمارسه هذا الإنسان المغربي من ثقافات وطقوس تعبد وأشكال التدين التي مازالت مستمرة، يسمون كل هذا الإسلام الأمازيغي، لأنه يختلف في بعض الممارسات والطقوس وأشكال التدين والعادات عن الإسلام في آسيا وفي إفريقيا وفي المشرق وفي أمريكا”.
وأشار المتحدث ذاته في هذا السياق إلى مجموعة من التجليات التي تعكس “الإسلام الأمازيغي”، على غرار “تعلق المغاربة بزيارة الأضرحة وتقديسهم الولاية والصلاح، وانتشار بعض الطرق الصوفية داخل المجتمع الأمازيغي، وطريقة تلاوة القرآن، والمواسم الدينية المنتشرة بكثرة؛ إضافة إلى عادات ‘بيلماون’ التي تمزج بعض الأعياد الدينية الإسلامية وبعض ملامح الثقافة الأمازيغية السابقة عن دخول الإسلام إلى المغرب، ثم أيضاً بعض الممارسات الثقافية التي تمزج الديانات السماوية الأخرى، كاليهودية والمسيحية، بالإسلام، في قالب ثقافي أمازيغي، كثقافة امعشار”.
وخلص بوشطارت إلى أن “الإسلام الأمازيغي هو عملية تكييف الإسلام مع الثقافة المحلية وتنقيته من كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الانغلاق والتشدد والتطرف، فهو ميزان الوسطية والاعتدال للشخصية المغربية، ويقبل الاختلاف والتعدد في الآراء والأفكار والتأويل والاجتهاد، ولا يعتمد على النقل وحده وإنما على العقل، لأن الثقافة الأمازيغية هي نتاج بنية تاريخية ممتدة للمجتمعات المتوسطية التي تنبني على الانفتاح على الآخر والتبادل الثقافي؛ كما أن عقلية البحر الأبيض المتوسط لا تؤمن بمنطق السلف الصالح، وإنما تؤمن بالرأي الصالح والراجح الذي ينتجه العقل بمنطق تتحكم فيه حتمية المستقبل وصيرورة بناء التاريخ”.
نمط فريد وإطلاق لفظي
من جهته أورد إبراهيم الطاهري، باحث في التاريخ الديني والاجتماعي، أن “النمط الذي ارتضاه المغاربة لأنفسهم في التدين هو نمط فريد ومتفرد، وذلك باعتمادهم أولا على رواية ورش بن نافع في القراءات القرآنية، لأنها تساير لسانهم والكيفية التي ينطقون بها اللغة العربية، ثم تبنيهم المذهب المالكي الذي يأخذ بالعرف والعمل ويقدمه على الخبر الواحد”، مضيفا أن “المغاربة تبنوا هذا المذهب منذ العهد المرابطي فَطَوعُوا القواعد الدينية وفق أعرافهم”.
وفي السياق نفسه أوضح الطاهري أن “المغاربة يعتبرون الكثير من العادات الاجتماعية التي يمارسونها مكملة للقواعد الدينية، كما تصدى فقهاؤهم لمجموعة من النوازل الفقهية التي تطرأ في حياة الناس، فنراهم بتقديم ما جرى به العمل واستحسان ذلك في الكثير من الأمور، وهذا ما جعل من نمط تدينهم فريدا من نوعه”.
وشدد المصرح لـ هسبريس على أن “إطلاق تسمية الإسلام الأمازيغي على هذا النمط من التدين هو من باب التمييز لا من باب الفصل، حتى لا يتوهم البعض أننا اخترعنا إسلاما آخر غير الإسلام الذي نزل على الرسول محمد، وبالتالي فهو إطلاق لفظي يبتغي تمييز نمط التدين الأمازيغي المغربي عن الكثير من الأنماط الشرقية والغربية التي تتعارض وتوجهات المغاربة في التدين”.
وحول الانتقادات التي تطال هذا النمط من التدين بخصوص ارتهانه إلى الأعراف أوضح الباحث ذاته أن “العرف هو ما تعارف عليه الناس وارتضوه لأنفسهم، إذ لا يمكن أن تجتمع الأمة على ضلالة، غير أن الإشكال هو أن هذه الانتقادات عجزت عن تقعيد هذه الأعراف وقصرتها فقط على ما تعارف عليه الناس في شبه الجزيرة العربية”، مضيفا أن “العرف الأمازيغي يُقر بأسبقية حفظ النفس على حفظ الدين، ويقر بأن حفظ الدين لا يمكن أن يكون إلا بحفظ النفس”.
كما شدد الطاهري على ضرورة “التمييز بين العادة والعبادة”، وزاد موضحا: “إن المواسم الدينية التي تشكل محل انتقاد أو بوابة لانتقاد نمط التدين الأمازيغي هي عادات يُحتفل فيها بالقرآن ويُكرم أهله. ثم إن العادات التي يقصد بها إلى الله تعالى مستحبة ولا يمكن إنكارها، بل يجب العمل على إبقائها وضمان استمراريتها في الزمان والمكان”.
وخلص الباحث في التاريخ الديني والاجتماعي إلى أن “شكل التدين الأمازيغي المبني على عادات وأعراف لا يريد أن يكون نسخة من نمط التدين المشرقي لأنه لا يوجد أصلا نمط تدين واحد، وإلا فما كنا لنجد هذا التعدد في المذاهب الفقهية والعقدية”، مشددا في الوقت ذاته على أن “العادة لا تتعارض مع العبادة، فيما لا يمكن مناقشة هذه العادة إلا إذا أتت بإلغاء نص ديني أو حرمت ما أحل النص أو أحلت ما حرمه”.
The post “الإسلام الأمازيغي” .. نموذج في التدين يرفض التشبه بالمشرق ويتشبث بالأعراف appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.